للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البشر، يُوحيَ إليَّ من الله، ﷿، شرفني بذلك، وأنعم عليّ به؛ ولهذا قال: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ) أي: لست أخرج عنه قيد شبر ولا أدنى منه.

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ) أي: هل يستوي من اتبع الحق وهُديَ إليه، ومن ضل عنه ولم ينقد له؟ (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) وهذه (١) كقوله (٢) تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [الرعد: ١٩].

وقوله: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) أي: وأنذر بهذا القرآن يا محمد ﴿الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٧] والذين ﴿وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ [الرعد: ٢١].

(الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ) أي: يوم القيامة. (لَيْسَ لَهُمْ) أي: يومئذ (مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) أي: لا قريب لهم ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم، (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي: أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا الله، ﷿ (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) فيعملون في هذه الدار عملا ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه، ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه.

وقوله: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي: لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفة عنك، بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك، كما قال: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨].

وقوله (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) أي: يعبدونه ويسألونه (بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) قال سعيد بن المسيب، ومجاهد، والحسن، وقتادة: المراد بذلك الصلوات المكتوبات.

وهذا كقوله [تعالى] (٣) ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] أي: أتقبل منكم.

وقوله: (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي: يبتغون بذلك العمل وجه الله الكريم، فهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات.

وقوله: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) كما قال نوح، ، في جواب الذين قالوا: ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ﴾ [قال] (٤) ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ [الشعراء: ١١٢، ١١٣]، أي: إنما حسابهم على الله، ﷿، وليس على من حسابهم من شيء، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء.

وقوله: (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي: إن فعلت هذا والحالة هذه.

قال الإمام أحمد: حدثنا أسباط -هو ابن محمد -حدثنا أشعث، عن كُرْدُوس، عن ابن مسعود


(١) في م: "وهو".
(٢) في أ: "لقوله"
(٣) زيادة من أ.
(٤) زيادة من م، أ.