للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: وقال آخرون: "هو سب (١) وعيب بكلامهم، ومعناه: مُعْوَج" ولم يسنده ولا حكاه عن أحد.

وقد قال ابن أبي حاتم: ذُكر عن مُعْتَمِر بن سليمان، سمعت أبي يقرأ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ) قال: بلغني أنها أعوج، وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم، .

ثم قال ابن جرير: والصواب أن اسم أبيه آزر. ثم أورد على نفسه قول النسابين أن اسمه تارح، ثم أجاب بأنه قد يكون له اسمان، كما لكثير من الناس، أو يكون أحدهما لقبا (٢) وهذا الذي قاله جيد قوي، والله أعلم.

واختلف القراء في أداء قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ) فحكى ابن جرير عن الحسن البصري وأبي يزيد المدني أنهما كانا يقرآن: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً) معناه: يا آزر، أتتخذ أصناما آلهة.

وقرأ الجمهور بالفتح، إما على أنه علم أعجمي لا ينصرف، وهو بدل من قوله: (لأبِيهِ) أو عطف بيان، وهو أشبه.

وعلى قول من جعله نعتًا لا ينصرف أيضا كأحمر وأسود.

فأما من زعم أنه منصوب لكونه معمولا لقوله: (أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا) تقديره: يا أبت، أتتخذ آزر أصناما آلهة، فإنه قول بعيد في اللغة؛ لأن ما بعد حرف الاستفهام لا يعمل فيما قبله؛ لأن له صدر الكلام، كذا قرره ابن جرير وغيره. وهو مشهور في قواعد العربية العربية.

والمقصود أن إبراهيم، ، وعظ أباه في عبادة الأصنام، وزجره عنها، ونهاه فلم ينته، كما قال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً) أي: أتتأله لصنم تعبده من دون الله، (إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ) أي: السالكين مسلكك (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي: تائهين لا يهتدون أين يسلكون، بل في حيرة وجهل وأمركم في الجهالة والضلال بين واضح لكل ذي عقل صحيح.

وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ [مريم: ٤١ - ٤٨]،


(١) في م: "سبب".
(٢) وقد اعترض على قول ابن جرير الطبري ومحاولته الجمع، المحدث أحمد شاكر في بحث له في آخر كتاب "المعرب" للجواليقي قال في خاتمته: "والحجة القاطعة في نفي التأويلات التي زعموها في كلمة: "آزر"، وفي إبطال ما سموه قراءات، تخرج باللفظ عن أنه علم لوالد إبراهيم: الحديث الصحيح الصريح في البخاري: عن النبي قال: "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك: لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك .... إلى آخر الحديث". وفي البخاري (٤/ ١٣٩ من الطبعة السلطانية) وفتح الباري (٦/ ٢٧٦ من طبعة بولاق) وشرح العيني (١٥/ ٢٤٣، ٢٤٤) من الطبعة المنيرية)، فهذا النص يدل على أنه اسمه العلم، وهو لا يحتمل التأويل ولا التحريف.