للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في حديث المنام: "أتاني ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا رب، فوضع كفه (١) بين كتفي، حتى وجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلى لي كل شيء وعرفت … " وذكر الحديث (٢)

وقوله: (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) قيل: "الواو" زائدة، تقديره: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ليكون من الموقنين، كقوله: ﴿[وَكَذَلِكَ] (٣) نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٥].

وقيل: بل هي على بابها، أي نريه ذلك ليكون عالما وموقنا.

وقوله: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) أي: تغشاه وستره (رَأَى كَوْكَبًا) أي: نجما، (قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ) أي: غاب. قال محمد بن إسحاق بن يسار: "الأفول" الذهاب. وقال ابن جرير: يقال: أفل النجم يأفلُ ويأفِل أفولا وأفْلا إذا غاب، ومنه قول ذي الرمة.

مصابيح ليست باللواتي تَقُودُها (٤) … نُجُومٌ، ولا بالآفلات الدوالك (٥)

ويقال: أين أفلت عنا؟ بمعنى: أين غبت عنا؟

قال: (قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) قال قتادة: علم أن ربه دائم لا يزول، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا) أي: طالعا (قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي) أي: هذا المنير (٦) الطالع ربي (هَذَا أَكْبَرُ) أي: جرمًا من النجم ومن القمر، وأكثر إضاءة.: (فَلَمَّا أَفَلَتْ) أي: غابت، (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) أي أخلصت ديني وأفردت عبادتي (لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ) أي: خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق. (حَنِيفًا) أي في حال كوني حَنِيفًا، أي: مائلا عن الشرك إلى التوحيد؛ ولهذا قال: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

وقد اختلف المفسرون في هذا المقام، هل هو مقام نظر أو مناظرة؟ فروى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ما يقتضي أنه مقام نظر، واختاره ابن جرير مستدلا بقوله: (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي [لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ]) (٧)

وقال محمد بن إسحاق: قال ذلك حين خرج من السّرب الذي ولدته فيه أمه، حين تخوفت عليه النمرود بن كنعان، لما أنْ قد أخبر بوجود مولود يكون ذهاب ملكك على يديه، فأمر بقتل الغلمان عامئذٍ. فلما حملت أم إبراهيم به وحان وضعها، ذهبت به إلى سَرَبٍ ظاهر البلد، فولدت فيه


(١) في أ: "يده".
(٢) المسند (٥/ ٢٤٣) وسنن الترمذي برقم (٣٢٣٥) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، سالت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح".
(٣) زيادة من أ.
(٤) في م: "يقودها".
(٥) البيت في تفسير الطبري (١١/ ٤٨٥) واللسان مادة (دلك).
(٦) في م: "الشيء"، وفي أ: "البين".
(٧) زيادة من أ، وفي هـ: "الآية".