للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى "إبراهيم"؛ لأنه الذي سبق الكلام من أجله حسن، لكن يشكل على ذلك "لوط"، فإنه ليس من ذرية "إبراهيم"، بل هو ابن أخيه مادان بن آزر؛ اللهم إلا أن يقال: إنه دخل في الذرية تغليبًا، كما في قوله تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٣]، فإسماعيل عمه، ودخل في آبائه تغليبا.

[وكما قال في قوله: ﴿فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ﴾ [الحجر: ٣٠، ٣١] فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسجود، وذم على المخالفة؛ لأنه كان قد تشبه بهم، فعومل معاملتهم، ودخل معهم تغليبا، وكان من الجن وطبيعتهم النار والملائكة من النور] (١)

وفي ذكر "عيسى"، ، في ذرية "إبراهيم" أو "نوح"، على القول الآخر دلالة على دخول ولد البنات في ذرية الرجال؛ لأن "عيسى"، ، إنما ينسب إلى "إبراهيم"، ، بأمه "مريم" ، فإنه لا أب له.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا سهل بن يحيى العسكري، حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا علي بن عابس (٢) عن عبد الله بن عطاء المكي، عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن يَعْمُر فقال: بَلَغَني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي ، تجده في كتاب الله، وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده؟ قال: أليس تقرأ سورة الأنعام: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ) حتى بلغ (وَيَحْيَى وَعِيسَى)؟ قال: بلى، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم، وليس له أب؟ قال: صدقت.

فلهذا إذا أوصى الرجل لذريته، أو وقف على ذريته أو وهبهم، دخل أولاد البنات فيهم، فأما إذا أعطى الرجل بنيه أو وقف عليهم، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه، واحتجوا بقول الشاعر العربي:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا … بنوهن أبناء الرجال الأجانب (٣)

وقال آخرون: ويدخل بنو البنات فيه أيضا، لما ثبت في صحيح البخاري، أن رسول الله قال للحسن بن علي: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" (٤) فسماه ابنا، فدل على دخوله في الأبناء.

وقال آخرون: هذا تجوز.

وقوله: (وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ) ذكر أصولهم وفروعهم. وذوي طبقتهم، وأن الهداية والاجتباء شملهم كلهم؛ ولهذا قال: (وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)


(١) زيادة من م، أ.
(٢) في أ: "عباس".
(٣) ذكره ابن عقيل في شواهده على ألفية ابن مالك برقم (٥١). وعنده "الأباعد" بدل "الأجانب".
(٤) صحيح البخاري برقم (٢٧٠٤) من حديث أبي بكرة، .