للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مطلع على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه، وهو قادر على تغييره بأن يلهمنا الإيمان، أو يحول بيننا وبين الكفر، فلم يغيره، فدل على أنه بمشيئته وإرادته ورضاه منا ذلك؛ ولهذا قال: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) كما في قوله [تعالى] (١): ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ [مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ](٢) [الزخرف: ٢٠]، وكذلك (٣) الآية التي في "النحل" مثل هذه سواء (٤) قال (٥) الله تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي: بهذه الشبهة ضل من ضل قبل هؤلاء. وهي حجة داحضة باطلة؛ لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه، ودمر عليهم، وأدال عليهم رسله الكرام، وأذاق المشركين من أليم الانتقام.

(قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) أي: بأن الله [تعالى] (٦) راض عنكم فيما أنتم فيه (فَتُخْرِجُوهُ لَنَا) أي: فتظهروه لنا وتبينوه وتبرزوه، (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ) أي: الوهم والخيال. والمراد بالظن هاهنا: الاعتقاد الفاسد. (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ) أي: تكذبون على الله فيما ادعيتموه.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس [] (٧): (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) وقال (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ثُمَّ قَالَ ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٠٧]، فإنهم قالوا: عبادتنا الآلهة تقربنا إلى الله زُلْفَى فأخبرهم الله أنها لا تقربهم، وقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ (٨)، يقول تعالى: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين.

وقوله تعالى: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) يقول [تعالى] (٩) لنبيه : (قُلْ) لهم -يا محمد: (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) أي: له الحكمة التامة، والحجة البالغة في هداية من هَدى، وإضلال من أضل، (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) وكل ذلك بقدرته ومشيئته واختياره، وهو مع ذلك يرضى عن المؤمنين ويُبْغض الكافرين، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ [الأنعام: ٣٥]، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ [كُلُّهُمْ جَمِيعًا]﴾. (١٠) [يونس: ٩٩]، وقوله (١١) ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٨، ١١٩].

قال الضحاك: لا حجة لأحد عصى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده.

وقوله تعالى: (قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ) أي: أحضروا شهداءكم (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا) أي: هذا الذي حرمتموه وكذبتم وافتريتم على الله فيه، (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي: لأنهم إنما يشهدون والحالة هذه كذبًا وزورًا، (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)


(١) زيادة من م، أ.
(٢) زيادة من م، أ.
(٣) في أ: "وكذا".
(٤) الآية: ٣٥ وهي قوله تعالى: (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء).
(٥) في م: "وقال".
(٦) زيادة من م.
(٧) زيادة من أ.
(٨) في أ: "أشركنا" وهو خطأ، والصواب: "أشركوا" الآية: ١٠٧ من سورة الأنعام.
(٩) زيادة من م.
(١٠) زيادة من م، أ.
(١١) في م: "وقال تعالى".