للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوؤُكَ. (١)

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَة، حَدَّثَنَا ابْنُ هُبَيْرة (٢) أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا تَمِيمٍ الجَيْشاني يَقُولُ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: غَابَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَلَمْ يَخْرُجْ، حَتَّى ظَنَّنَا أَنْ لَنْ يَخْرُجَ، فَلَمَّا خَرَجَ سَجَدَ سَجْدَةً ظَنَنَّا أَنَّ نَفْسه قَدْ قُبِضَتْ فِيهَا، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: "إِنَّ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، اسْتَشَارَنِي فِي أُمَّتِي: مَاذَا أَفْعَلُ بِهِمْ؟ فَقُلْتُ: مَا شِئْتَ أَيْ رَبِّ هُمْ خَلْقُكَ وَعِبَادُكَ. فَاسْتَشَارَنِي الثَّانِيَةَ، فَقُلْتُ لَهُ كَذَلِكَ، فَقَالَ: لَا أُخْزِيكَ فِي أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَبَشَّرَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي مَعِي سَبْعُونَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: ادْعُ تُجب، وَسَلْ تُعْطَ". فَقُلْتُ لِرَسُولِهِ: أَوَمُعْطٍي رَبِّي سُؤْلِي؟ قَالَ: مَا أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِلَّا لِيُعْطِيَكَ، وَلَقَدْ أَعْطَانِي رَبِّي وَلَا فَخْرَ، وَغَفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَنَا أَمْشِي حَيًّا صَحِيحًا، وَأَعْطَانِي أَلَّا تَجُوعَ أُمَّتِي وَلَا تُغْلَبَ، وَأَعْطَانِي الْكَوْثَرَ، وَهُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ يَسِيلُ فِي حَوْضِي، وَأَعْطَانِي الْعِزَّ وَالنَّصْرَ وَالرُّعْبَ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ أُمَّتِي شَهْرًا، وَأَعْطَانِي أَنِّي أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَطَيَّبَ لِي وَلِأُمَّتِي الْغَنِيمَةَ، وَأَحَلَّ لَنَا كَثِيرًا مِمَّا شُدد عَلَى مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ". (٣)

{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠) }

يَقُولُ تَعَالَى مُجِيبًا لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (٤) فِيمَا أَنْهَاهُ إِلَيْهِ مِنَ التَّبَرِّي مِنَ النَّصَارَى الْمُلْحِدِينَ، الْكَاذِبِينَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَمِنْ رَدِّ الْمَشِيئَةِ فِيهِمْ إِلَى رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}

قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: يَوْمَ يَنْفَعُ الْمُوَحِّدِينَ تَوْحِيدُهُمْ.

{لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أَيْ: مَاكِثِينَ فِيهَا لَا يَحُولون وَلَا يَزُولُونَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التَّوْبَةِ: ٧٢] .

وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْآيَةِ مِنَ الْحَدِيثِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْث، عَنْ عُثْمَانَ -يَعْنِي ابْنَ عُمَيْر أَبُو الْيَقْظَانِ -عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ يَتَجَلَّى لهم الرب


(١) ورواه مسلم في صحيحه برقم (٢٠٢) من طريق يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بنحوه.
(٢) في د: "ابن ميسرة".
(٣) المسند (٥/٣٩٣) وقال الهيثمي في المجمع (٢/٢٨٧) : "فيه ابن لهيعة وفيه كلام".
(٤) في د: "لعيسى".

<<  <  ج: ص:  >  >>