للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) أي: جزاء على إحسانه في العمل، وقيامه بأوامرنا وطاعتنا، كقوله: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: ٦٠]، وكقوله ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ](١) [البقرة: ١٢٤]، وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ٢٤].

وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس: (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) يقول: أحسن فيما أعطاه الله.

وقال قتادة: من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة.

واختار ابن جرير أن تقدير الكلام: ([ثُمَّ] آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا) (٢) على إحسانه. فكأنه جعل "الذي" مصدرية، كما قيل في قوله تعالى: ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ [التوبة: ٦٩] أي: كخوضهم وقال ابن رَوَاحة:

فَثَبَّتَ اللهُ ما آتاكَ مِنْ حَسَنٍ … في المرسلين ونصرًا كالذي نُصِرُوا (٣)

وقال آخرون: الذي هاهنا بمعنى "الذين".

قال ابن جرير: وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود: أنه كان يقرؤها: "تماما على الذين أحسنوا".

وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: (تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) قال: على المؤمنين والمحسنين، وكذا قال أبو عبيدة. قال البغوي: والمحسنون: الأنبياء والمؤمنون، يعني: أظهرنا فضله عليهم.

قلت: كما قال تعالى: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾ [الأعراف: ١٤٤]، ولا يلزم اصطفاؤه على محمد خاتم الأنبياء والخليل، لأدلة أخر.

قال ابن جرير: وروى أبو عمرو بن العلاء عن يحيى بن يَعْمَر أنه كان يقرؤها. (تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) رفعا، بتأويل: "على الذي هو أحسن"، ثم قال: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح.

وقيل: معناه: تمامًا على إحسان الله إليه زيادة على ما أحسن الله إليه، حكاه ابن جرير، والبَغوي.

ولا منافاة بينه وبين القول الأول، وبه جمع ابن جرير كما بيناه، ولله الحمد.

وقوله: (وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً) فيه مَدْحٌ لكتابه الذي أنزله الله عليه، (لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فيه الدعوة إلى اتباع القرآن ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والآخرة.


(١) زيادة من أ.
(٢) زيادة من أ.
(٣) البيت في السيرة النبوية لابن هشام (٢/ ٣٧٤).