للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والنصارى اختلفوا قبل أن يبعث محمد ، فتفرقوا. فلما بعث [الله] (١) محمدا أنزل: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) الآية.

وقال ابن جرير: حدثني سعد بن عَمْرو السكوني، حدثنا بَقِيَّة بن الوليد: كتب إليّ عباد بن كثير، حدثني لَيْث، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إن في هذه الأمَّة (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) وليسوا منك، هم أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة، من هذه الأمة" (٢).

لكن هذا الإسناد لا يصح، فإن عباد بن كثير متروك الحديث، ولم يختلق هذا الحديث، ولكنه وَهَم في رفعه. فإنه رواه سفيان الثوري، عن ليث -وهو ابن أبي سليم -عن طاوس، عن أبي هريرة، في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا) قال: نزلت في هذه الأمة.

وقال أبو غالب، عن أبي أمامة، في قوله: ([إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ] وَكَانُوا شِيَعًا) (٣) قال: هم الخوارج. وروى عنه مرفوعًا، ولا يصح.

وقال شعبة، عن مُجالد، عن الشعبي، عن شُرَيْح، عن عمر [] (٤) أن رسول الله قال لعائشة: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا) قال: "هم أصحاب البدع".

وهذا رواه ابن مَرْدُوَيه، وهو غريب أيضًا (٥) ولا يصح رفعه.

والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه (وَكَانُوا شِيَعًا) أي: فرقًا كأهل الملل والنحل -وهي الأهواء والضلالات -فالله (٦) قد بَرَّأ رسوله مما هم فيه. وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ](٧) الآية [الشورى: ١٣]، وفي الحديث: "نحن معاشر الأنبياء أولاد عَلات، ديننا واحد".

فهذا هو الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به الرسل، من عبادة الله وحده لا شريك له، والتمسك بشريعة الرسول المتأخر، وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء، الرسل بُرآء منها، كما قال: (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)


(١) زيادة من أ.
(٢) تفسير الطبري (١٢/ ٢٧٠) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٣٢١) من طريق معلل، عن موسى بن أعين، عن سفيان الثوري، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، به، وقال: "لم يروه عن سفيان إلا موسى تفرد به معلل". ورواه الطبري في تفسيره (١٢/ ٢٧٠) على أبي هريرة موقوفا كما بينه الحافظ ابن كثير.
(٣) زيادة من أ.
(٤) زيادة من أ.
(٥) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٣٢٠) وأبو نعيم في الحلية (٤/ ١٣٨) من طريق محمد بن مصفى، عن بقية بن الوليد، عن شعبة به، وقال الطبراني: "لم يروه عن شعبة إلا بقية، تفرد به محمد بن مصفى، وهو حديثه".
(٦) في م: "فإنه".
(٧) زيادة من م، أ.