للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أسهرت ليلك وأظمأت نهارك (١) وفي حديث البراء، في قصة سؤال القبر: "فيأتي المؤمن شابٌّ حسن اللون طيّب الريح، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح" (٢) وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق.

وقيل: يوزن كتاب الأعمال، كما جاء في حديث البطاقة، في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كِفَّة تسعة وتسعون سجلا كل سِجِلّ مَدّ البصر، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها: "لا إله إلا الله" فيقول: يا رب، وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تُظلَم. فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان. قال رسول الله : "فَطاشَت السجلات، وثَقُلَتِ البطاقة".

رواه الترمذي بنحو من هذا (٣) وصححه.

وقيل: يوزن صاحب العمل، كما في الحديث: "يُؤتَى يوم القيامة بالرجل السَّمِين، فلا يَزِن عند الله جَنَاح بَعُوضَة" (٤) ثم قرأ: ﴿فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف: ١٠٥].

وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: "أتعجبون من دِقَّة ساقَيْهِ، فوالذي (٥) نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أُحُدٍ" (٦)

وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا، فتارة (٧) توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلها، والله أعلم.

﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (١٠)

يقول تعالى ممتنا على عبيده (٨) فيما مكن لهم من أنه جَعَل الأرض قرارًا، وجعل لها رواسي وأنهارًا، وجعل لهم فيها منازل وبيوتًا، وأباح منافعها، وسَخَّر لهم السحاب لإخراج أرزاقهم منها، وجعل لهم فيها معايش، أي: مكاسب وأسبابًا يتجرون فيها، ويتسببون أنواع الأسباب، وأكثرهم مع هذا قليل الشكر على ذلك، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤].

وقد قرأ الجميع: (مَعَايِش) بلا همز، إلا عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج فإنه همزها. والصواب الذي عليه الأكثرون بلا همز؛ لأن معايش جمع معيشة، من عاش يعيش عيشا، ومعيشة أصلها "مَعْيِشَة" فاستثقلت الكسرة على الياء، فنقلت إلى العين فصارت مَعِيشة، فلما جمعت رجعت الحركة إلى الياء لزوال الاستثقال، فقيل: معايش. ووزنه مفاعل؛ لأن الياء أصلية في الكلمة. بخلاف مدائن


(١) ورواه أحمد في مسنده (٥/ ٣٤٨) وابن ماجه في السنن برقم (٣٧٨١) من طريق بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة بن الحصيب، ، مرفوعا
(٢) رواه أحمد في مسنده (٥/ ٢٨٧).
(٣) سنن الترمذي برقم (٢٦٣٩) ورواه ابن ماجة في السنن برقم (٢٦٣٩) والحاكم في المستدرك (١/ ٥٢٩) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرطهما ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي،
(٤) رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٧٢٩) بنحوه من حديث أبي هريرة، .
(٥) في د، م: "والذي".
(٦) رواه أحمد في مسنده (١/ ٤٢٠).
(٧) في ك: "وتارة".
(٨) في م: "عباده".