للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن كثير: المد: الزيادة. يعني: يزيدونهم في الغي، يعني: الجهل والسفه.

(ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) قيل: معناه إن الشياطين تمد، والإنس لا تقصر في أعمالهم بذلك. كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) قال: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم.

قيل: معناه كما رواه العوفي، عن ابن عباس في قوله: (يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) قال: هم الجن، يوحون إلى أوليائهم من الإنس (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) يقول: لا يسأمون.

وكذا قال السُّدِّي وغيره: يعني إن الشياطين يمدون أولياءهم من الإنس ولا تسأم من إمدادهم في الشر؛ لأن ذلك طبيعة لهم وسَجِيَّة، لا تفتر فيه ولا تبطل عنه، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [مريم: ٨٣] قال ابن عباس وغيره: تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا.

﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣)

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: (قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا) يقول: لولا تلقيتها. وقال مرة أخرى: لولا أحدثتها فأنشأتها.

وقال ابن جرير (١) عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد في قوله [تعالى] (٢) (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا) قال: لولا اقتضيتها، قالوا: تخرجها عن نفسك. وكذا قال قتادة، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير.

وقال العوفي، عن ابن عباس [] (٣) (لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا) يقول: تلقيتها من الله، ﷿ (٤)

وقال الضحاك: (لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا) يقول: لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء.

ومعنى قوله تعالى: (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) أي: معجزة، وخارق، كما قال تعالى: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤] يقولون للرسول : ألا تجهد نفسك في طلب الآيات [من الله] (٥) حتى نراها ونؤمن بها، قال الله تعالى له: (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) أي: أنا لا أتقدم إليه تعالى في شيء، وإنما أتبع ما أمرني به فأمتثل ما يوحيه إلي، فإن بعث آية قبلتها، وإن منعها لم أسأله ابتداء إياها؛ إلا أن يأذن لي في ذلك، فإنه حكيم عليم.

ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات، وأبين الدلالات، وأصدق الحجج والبينات، فقال: (هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)


(١) في د، أ: "جريج".
(٢) زيادة من ك، أ.
(٣) زيادة من أ.
(٤) في د، ك، أ: "تعالى".
(٥) زيادة من م.