للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) وهذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم، ليشكروه عليها، وهو (١) أنه -تعالى وتقدس وتبارك وتمجد -أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه وحزبه المؤمنين، يوحي إليهم فيما بينه وبينهم أن يثبتوا الذين آمنوا.

قال ابن إسحاق: وازروهم. وقال غيره: قاتلوا معهم. وقيل: كثروا سوادهم. وقيل: كان ذلك بأن الملك كان يأتي الرجل من أصحاب النبي يقول: سمعت هؤلاء القوم -يعني المشركين -يقولون: "والله لئن حملوا علينا لننكشفن"، فيحدث المسلمون بعضهم بعضا بذلك، فتقوى أنفسهم (٢) حكاه ابن جرير، وهذا لفظه بحروفه.

وقوله: (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) أي: ثبتوا أنتم المسلمين (٣) وقووا أنفسهم على أعدائهم، عن أمري لكم بذلك، سألقي الرعب والمذلة والصغار على من خالف أمري، وكذب رسولي (٤) (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) أي: اضربوا الهام ففلقوها، واحتزوا الرقاب فقطعوها، وقطعوا الأطراف منهم، وهي أيديهم وأرجلهم.

وقد اختلف المفسرون في معنى: (فَوْقَ الأعْنَاقِ) فقيل: معناه اضربوا الرؤوس. قاله عكرمة.

وقيل: معناه: (فَوْقَ الأعْنَاقِ) أي: على الأعناق، وهي الرقاب. قاله الضحاك، وعطية العوفي.

ويشهد لهذا المعنى أن الله تعالى أرشد المؤمنين إلى هذا في قوله تعالى: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ [محمد: ٤].

وقال وكيع، عن المسعودي، عن القاسم قال: قال رسول الله (٥) : "إني لم أبعث لأعذب بعذاب الله، إنما بعثت بضرب الرقاب وشد الوثاق" (٦)

واختار ابن جرير أنها قد تدل على ضرب الرقاب وفلق الهام.

قلت: وفي مغازي "الأموي" أن رسول الله جعل يمر بين القتلى يوم بدر فيقول:

"نُفَلِّق هاما. . . ".

فيقول أبو بكر:

من رجال أعزة علينا … وهم كانوا أعق وأظلما (٧)


(١) في ك: "وهي".
(٢) في م: "أنفسهم بذلك".
(٣) في ك، م، أ: "المؤمنين".
(٤) في أ: "رسلي".
(٥) في م: "النبي".
(٦) رواه الطبري في تفسيره (١٣/ ٤٢٩) وابن أبي شيبة في المصنف (١٢/ ٣٩٠) من طريق وكيع بهذا الإسناد.
(٧) البيت للحصين بن الهمام المري، وهو في "الشعر" والشعراء" لابن قتيبة (٢/ ٦٤٨).