للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"خلق الله ألف أمة، ستمائة في البحر وأربعمائة في البر، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلك (١) تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه" (٢). محمد بن عيسى هذا -وهو الهلالي-ضعيف.

وحكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لله ألف عالَم؛ ستمائة في البحر وأربعمائة في البر، وقال وهب بن منبه: لله ثمانية عشر ألف عالَم؛ الدنيا عالم منها. وقال مقاتل: العوالم ثمانون ألفًا. وقال كعب الأحبار: لا يعلم عدد العوالم إلا الله ﷿. نقله كله البغوي، وحكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: إن لله أربعين ألف عالم؛ الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها، وقال الزجاج: العالم كل ما خلق في الدنيا والآخرة. قال القرطبي: وهذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين؛ كقوله: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ والعالم مشتق من العلامة (قلت): لأنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته كما قال ابن المعتز:

فيا عجبا كيف يعصى الإله … أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية … تدل على أنه واحد

﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)﴾.

وقوله: (الرحمن الرحيم) تقدم الكلام عليه في البسملة بما أغنى عن إعادته.

﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)

قرأ بعض القراء: (مَلِك يَوْمِ الدِّينِ) وقرأ آخرون: (مَالِكِ) (٣). وكلاهما صحيح متواتر في السبع.

[ويقال: مليك أيضًا، وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ: "ملكي يوم الدين" وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى، وكلاهما صحيحة حسنة، ورجح الزمخشري ملك؛ لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ وقوله: ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ﴾ وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ "مَلَكَ يومَ الدين" على أنه فعل وفاعل ومفعول، وهذا غريب شاذ جدا] (٤). وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئًا غريبًا حيث قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الأذْرَمِيُّ، حدثنا عبد الوهاب عن عدي (٥) بن الفضل، عن أبي المطرف، عن ابن شهاب: أنه بلغه أن رسول الله وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وأول من أحدث "مَلِكِ" مروان (٦). قلت: مروان عنده علم بصحة ما قرأه، لم يطلع عليه ابن شهاب، والله أعلم.

وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مَرْدُويه أن رسول الله كان يقرؤها: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٧) ومالك مأخوذة من الملْك، كما قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [مريم: ٤٠] وقال: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ﴾ [الناس: ١، ٢] وملك: مأخوذ من الملك كما قال تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: ١٦] وقال: ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ﴾ [الأنعام: ٧٣] وقال: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾ [الفرقان: ٢٦].


(١) في جـ، ط، ب: "هلكت".
(٢) ورواه ابن عدي في الكامل (٥/ ٣٥٢)، (٦/ ٢٤٥) والخطيب في تاريخه (١١/ ٢١٨) من طريق عبيد بن واقد به نحوه. وقال ابن عدي: "قال عمرو بن علي: محمد بن عيسى بصري صاحب محمد بن المنكدر، ضعيف منكر الحديث، روى عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن عمر، عن النبي في "الجراد". وقال ابن عدي أيضا: "عبيد بن واقد لا يتابع عليه".
(٣) في جـ، ط، ب: قرأ بعض القراء: "مالك" وقرأ آخرون: "ملك".
(٤) زيادة من جـ، ط، أ، و.
(٥) في هـ: "عبد الوهاب بن عدي بن الفضل".
(٦) المصاحف لابن أبي داود (ص ١٠٤).
(٧) ورواه أبو بكر بن أبي داود في المصاحف (ص ١٠٥) والحاكم في المستدرك (٢/ ٢٣٢) من طريق ابن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن النبي قرأ: "ملك يوم الدين" زاد ابن أبي حاتم: "أو قال: "مالك". ورواه أبو بكر بن أبي داود في المصاحف (ص ١٠٥) والحاكم في المستدرك (٢/ ٢٣٢) من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أن النبي كان يقرأ: "ملك يوم الدين".