للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجاء أهل المسجد فما كان يومئذ عددٌ ولا وزنٌ، ما كان إلا قَبْضًا، [قال] (١) وجاء العباس بن عبد المطلب يحثى في خَميصة عليه، وذهب يقوم فلم يستطع، قال: فرفع رأسه إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، ارفع علي. قال: فتبسم رسول الله حتى خرج ضاحكه -أو: نابه -وقال له: "أعدْ من المال طائفة، وقم بما تطيق". قال: ففعل، وجعل العباس يقول -وهو منطلق -: أما إحدى اللتين وعدنا الله فقد أنجزنا، وما ندري ما يصنع في الأخرى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأُسَارَى) (٢) الآية، ثم قال: هذا خير مما أخذ منا، ولا أدري ما يصنع الله في الأخرى (٣) فما زال رسول الله مائلا على ذلك المال، حتى ما بقي منه درهم، وما بعث إلى أهله بدرهم، ثم أتى الصلاة فصلى (٤)

حديث آخر في ذلك: قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد الله السعيدي، حدثنا مَحْمَش بن عصام، حدثنا حفص بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن طَهْمَان، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: أتي رسول الله بمال من البحرين، فقال: "انثروه في المسجد".

قال: وكان أكثر مال أتى به رسول الله ، فخرج إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه. فما كان يرى أحدا إلا أعطاه، إذ جاء العباس فقال: يا رسول الله، أعطني فإني فاديت نفسي، وفاديت عَقيلا. فقال له رسول الله : "خذ". فحثا في ثوبه، ثم ذهب يُقِلُّه فلم يستطع، فقال: مُرْ بعضهم يرفعه إليَّ. قال: "لا". قال: فارفعه أنت عليَّ. قال: "لا" فنثر منه ثم احتمله على كاهله، ثم انطلق، فما زال رسول الله يتبعه بصره حتى خَفِيَ عنه، عَجَبًا من حِرْصه، فما قام رسول الله وثَمَّ منها درهم (٥)

وقد رواه البخاري في مواضع من صحيحه تعليقا بصيغة الجزم، يقول: "وقال إبراهيم بن طهمان" ويسوقه، وفي بعض السياقات أتم من هذا (٦)

وقوله: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ) أي: فيما أظهروا لك من الأقوال، (فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ) أي: من قبل بدر بالكفر به، (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) أي: بالإسار يوم بدر، (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي: عليم بما يفعله، حكيم فيه.

قال قتادة: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح الكاتب حين ارتد، ولحق بالمشركين.


(١) زيادة من أ.
(٢) في د: "الأسرى".
(٣) في ك: "الآخرة".
(٤) ورواه الحاكم في المستدرك (٣/ ٣٢٩) من طريق هاشم بن القاسم عن سليمان بن المغيرة به نحوه، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
(٥) السنن الكبرى (٦/ ٣٥٦) ووقع فيه "محمد بن محمد بن عبد الله الشعيري".
(٦) صحيح البخاري برقم (٤٢١، ٣٠٤٩، ٣١٦٥).