للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١) }

يذكِّرهم مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، مِنْ إِنْقَاذِهِمْ مِنْ أَسْرِ فِرْعَوْنَ وَقَهْرِهِ، وَمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْهَوَانِ وَالذِّلَّةِ، وَمَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنَ الْعِزَّةِ وَالِاشْتِفَاءِ مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَالنَّظَرِ إِلَيْهِ فِي حَالِ هَوَانِهِ وَهَلَاكِهِ، وَغَرَقِهِ وَدَمَارِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي [سُورَةِ] (١) الْبَقَرَةِ.

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢) }

يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، بِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْهِدَايَةِ، بِتَكْلِيمِهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِعْطَائِهِ التَّوْرَاةَ، وَفِيهَا أَحْكَامُهُمْ وَتَفَاصِيلُ شَرْعِهِمْ، فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ وَاعَدَ مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: فَصَامَهَا مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا تَمَّ الْمِيقَاتُ اسْتَاكَ بِلِحَاءِ شَجَرَةٍ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُكْمِلَ بِعَشْرٍ (٢) أَرْبَعِينَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ مَا هِيَ؟ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثِينَ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ، وَالْعَشَرُ عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ كَمَّلَ الْمِيقَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَحَصَلَ فِيهِ التَّكْلِيمُ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِيهِ أَكْمَلَ اللَّهُ الدِّينَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [الْمَائِدَةِ:٣]

فَلَمَّا تَمَّ الْمِيقَاتُ عَزَمَ (٣) مُوسَى عَلَى الذَّهَابِ إِلَى الطُّورِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ} الْآيَةَ [طه: ٨٠] ، فَحِينَئِذٍ اسْتَخْلَفَ مُوسَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَاهُ هَارُونَ، وَأَوْصَاهُ بِالْإِصْلَاحِ وَعَدَمِ الْإِفْسَادِ. وَهَذَا تَنْبِيهٌ وَتَذْكِيرٌ، وَإِلَّا فَهَارُونُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، نَبِيٌّ شَرِيفٌ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، لَهُ وَجَاهَةٌ وَجَلَالَةٌ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ (٤)

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣) }

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ لِمِيقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَصَلَ لَهُ التَّكْلِيمُ مِنَ اللَّهِ [تَعَالَى] (٥) سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي}


(١) زيادة من م، أ.
(٢) في أ: "العشرة".
(٣) في د، ك، م: "وعزم".
(٤) في ك، أ: "أنبياء الله".
(٥) زيادة من ك، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>