للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد أثنى الله ورسوله على المهاجرين والأنصار في غير ما آية في (١) كتابه، فقال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ﴾ الآية [التوبة: ١٠٠]، وقال: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ الآية. [التوبة: ١١٧]، وقال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ الآية [الحشر: ٨، ٩].

وأحسن ما قيل في قوله: (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا) أي: لا يحسدونهم على فضل ما أعطاهم الله على هجرتهم، فإن ظاهر الآيات تقديم المهاجرين على الأنصار، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، لا يختلفون في ذلك، ولهذا قال الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا محمد بن مَعْمَر، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن حذيفة قال: خَيَّرني رسولُ الله بين الهجرة والنصرة، فاخترت الهجرة (٢)

ثم قال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ) [قرأ حمزة: "ولايتهم" بالكسر، والباقون بالفتح، وهما واحد كالدِّلالة والدَّلالة] (٣) (مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا) هذا هو الصنف الثالث من المؤمنين، وهم الذين آمنوا ولم يهاجروا، بل أقاموا في بَوَاديهم، فهؤلاء ليس لهم في المغانم نصيب، ولا في خُمسها إلا ما حضروا فيه القتال، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا وَكيع، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مَرْثَد، عن سليمان بن بُرَيْدة، عن أبيه: بُرَيْدة بن الحُصَيب الأسلمي، ، قال: كان رسول الله إذا بعث أميرا على سرية أو جيش، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، وقال: "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال -أو: خلال -فأيتهن ما أجابوك (٤) إليها فاقبل منهم، وكُفَّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأعلمهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين، وأن عليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب


(١) في د، أ: "من".
(٢) مسند البزار برقم (٢٧١٨) "كشف الأستار" وفيه علي بن زيد، ضعيف.
(٣) زيادة من د، م، أ.
(٤) في أ: "ما أجابوا".