للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

علي بن أبي طالب: بعث النبي بأربعة أسياف: سيف في المشركين من العرب (١) قال الله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [وَخُذُوهُمْ]) (٢)

هكذا رواه مختصرا، وأظن أن السيف الثاني هو قتال أهل الكتاب في قوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] والسيف الثالث: قتال المنافقين في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ [وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ][التوبة: ٧٣، والتحريم: ٩] (٣) والرابع: قتال الباغين في قوله: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٩]

ثم اختلف المفسرون في آية السيف هذه، فقال الضحاك والسدي: هي منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤] وقال قتادة بالعكس.

﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦)

يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الذين أمرتك بقتالهم، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم، (اسْتَجَارَكَ) أي: استأمنك، فأجبه إلى طلبته (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) أي: [القرآن] (٤) تقرؤه عليه وتذكر له شيئًا من [أمر] (٥) الدين تقيم عليه به حجة الله، (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) أي: وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) أي: إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله، وتنتشر دعوة الله في عباده.

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في تفسير هذه الآية، قال: إنسان يأتيك يسمع ما تقول وما أنزل عليك، فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه، حيث جاء.

ومن هذا كان رسول الله يعطي الأمان لمن جاءه، مسترشدًا أو في رسالة، كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش، منهم: عروة بن مسعود، ومِكْرَز بن حفص، وسهيل بن عمرو، وغيرهم واحدًا بعد واحد، يترددون في القضية بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام المسلمين رسول الله ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم بذلك، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم.


(١) في ت، د: "سيف في المشركين وسيف في العرب".
(٢) زيادة من أ.
(٣) زيادة من أ.
(٤) زيادة من ت، د، ك، أ.
(٥) زيادة من ت، د، ك، أ.