للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد اختلف أصحابنا في الجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية، وحاصل الخلاف أن الإمام إن نسي التأمين جهر المأموم به قولا واحدًا، وإن أمَّن الإمام جهرًا فالجديد أنه لا يجهر المأموم وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن مالك؛ لأنه ذكر من الأذكار فلا يجهر به كسائر أذكار الصلاة. والقديم أنه يجهر به، وهو مذهب أحمد بن حنبل، والرواية الأخرى عن مالك، لما (١) تقدم: "حتى يرتج المسجد".

ولنا قول آخر ثالث: أنه إن كان المسجد صغيرًا لم يجهر المأموم (٢)، لأنهم يسمعون قراءة الإمام، وإن كان كبيرا جهر ليبلغ التأمين مَنْ في أرجاء المسجد، والله أعلم.

وقد روى الإمام أحمد في مسنده، عن عائشة، ، أن رسول الله ذكرت عنده اليهود، فقال: "إنهم لن يحسدونا (٣) على شيء كما يحسدونا (٤) على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين" (٥)، ورواه ابن ماجه، ولفظه: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين" (٦)، وله عن ابن عباس أن رسول الله قال: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول: آمين، فأكثروا من قول: "آمين" (٧) وفي إسناده طلحة بن عمرو، وهو ضعيف.

وروى ابن مَرْدُويه، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: "آمين: خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين" (٨). وعن أنس، قال: قال رسول الله : "أعطيت آمين في الصلاة وعند الدعاء، لم يعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى، كان موسى يدعو، وهارون يؤمن، فاختموا الدعاء بآمين، فإن الله يستجيبه لكم" (٩).

قلت: ومن هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: ٨٨، ٨٩]، فذكر الدعاء عن موسى وحده، ومن سياق الكلام ما يدل على أن


(١) في جـ: "كما".
(٢) في جـ: "الإمام".
(٣) في جـ: "لم يحسدوننا"، وفي ط، ب، أ، و: "لم يحسدونا".
(٤) في أ: "يحسدوننا".
(٥) المسند (٦/ ١٣٥).
(٦) سنن ابن ماجة برقم (٨٥٦) من طريق حماد بن سلمة، عن سهيل، عن أبي صالح، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا، وقال البوصيري في الزوائد (١/ ٢٩٧): "هذا إسناد صحيح احتج مسلم بجميع رواته".
(٧) سنن ابن ماجة برقم (٨٥٧) من طريق يزيد بن صبيح، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعا.
(٨) ورواه ابن عدي في الكامل (٦/ ٤٤٠) من طريق مؤمل عن أبي أمية بن يعلى عن المقبري عن أبي هريرة به، وقال ابن عدي: "لا يرويه عن أبي أمية بن يعلى –وإن كان ضعيفا- غير مؤمل هذا".
(٩) ورواه الحارث بن أبي أسامة برقم (١٦٧) "بغية الباحث" من طريق –مولى خالد- عن أنس بن مالك به، وزربي بن عبد الرحمن ضعيف.