للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يرجعهما حتى مالت السماء فأظَلَّت (١) ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر. (٢)

وقال ابن جرير في قوله: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) أي: من النفقة والظهر والزاد والماء، (مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ تَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) (٣) أي: عن الحق ويشك في دين رسول الله ويرتاب، بالذي نالهم من المشقة والشدة في سفره وغزوه، (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ) يقول: ثم رزقهم الإنابة إلى ربهم، والرجوع إلى الثبات على دينه، (إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)

قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله، عن عمه محمد بن مسلم الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب بن مالك -وكان قائد كعب من بنيه (٤) حين عَمِيَ -قال: سمعت كعب بن مالك يحدّث حديثه حين تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله في غزاة غيرها (٥) قط إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر، ولم يعاتَب أحدٌ تخلف عنها، وإنما خرج رسول الله يريد عِير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد، ولقد شهدتُ مع رسول الله ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذْكَر في الناس منها وأشهر، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنه في تلك الغزاة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة، وكان رسول الله قَلَّما يريد غزوة يغزوها إلا وَرّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله في حَرٍّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازًا، واستقبل عدوا كثيرًا (٦) فَجَلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وَجْهَه


(١) في ت، ك، أ: "فأهطلت".
(٢) تفسير الطبري (١٤/ ٥٤١) ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (١٧٠٧) "موارد" والحاكم في المستدرك (١/ ١٥٩) من طريق حرملة ابن يحيى، ورواه البزار في مسنده برقم (١٨٤١) "كشف الأستار" من طريق أصبغ بن الفرج كلاهما عن ابن وهب به نحوه، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". قال المؤلف ابن كثير في السيرة (٤/ ١٦): "إسناد جيد، ولم يخرجوه من هذا الوجه".
(٣) في أ: "يزيغ".
(٤) في أ: "بيته".
(٥) في أ: "غزاها".
(٦) في أ: "كبيرا".