للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْحَبَشَةِ مَلِكٌ صَالِحٌ يُقَالُ لَهُ: "النَّجَاشِيُّ"، لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ بِأَرْضِهِ، وَكَانَ يُثْنَى عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ أَرْضُ الْحَبَشَةِ مَتْجَرًا لِقُرَيْشٍ، يَتَّجِرُونَ فِيهَا، وَكَانَتْ مَسْكَنًا لِتُجَّارِهِمْ، يَجِدُونَ فِيهَا رَفَاغًا مِنَ الرِّزْقِ وَأَمْنًا وَمَتْجَرًا حَسَنًا، فَأَمَرَهُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبَ إِلَيْهَا عَامَّتُهُمْ لَمَّا قُهِرُوا بِمَكَّةَ، وَخَافَ (١) عَلَيْهِمُ الْفِتَنَ. وَمَكَثَ هُوَ فَلَمْ يَبْرَحْ. فَمَكَثَ بِذَلِكَ سَنَوَاتٍ يَشْتَدُّونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ. ثُمَّ إِنَّهُ فَشَا الْإِسْلَامُ فِيهَا، وَدَخَلَ فِيهِ رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَمَنَعَتِهِمْ. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ. اسْتَرْخَوُا اسْتِرْخَاءَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ الْأُولَى هِيَ أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبل أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَخَافَتَهَا، وَفِرَارًا مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالزِّلْزَالِ، فَلَمَّا اسْتُرْخِيَ عَنْهُمْ وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ، تُحُدِّثَ بِاسْتِرْخَائِهِمْ عَنْهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ: قَدِ اسْتُرْخِيَ عَمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ بِمَكَّةَ، وَأَنَّهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ، وَكَادُوا يَأْمَنُونَ بِهَا، وَجَعَلُوا يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ. وَأَنَّهُ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَفَشَا بِالْمَدِينَةِ الْإِسْلَامُ، وَطَفِقَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ، تَآمَرَتْ عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ وَيَشْتَدُّوا، فَأَخَذُوهُمْ، فَحَرَصُوا عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ، فَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَكَانَتِ (٢) الْفِتْنَةُ الْأَخِيرَةُ، فَكَانَتْ فِتْنَتَانِ: فِتْنَةٌ أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حِينَ أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهَا -وَفِتْنَةٌ لَمَّا رَجَعُوا وَرَأَوْا مَنْ يَأْتِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة سبعون نقيبًا، رؤوس الَّذِينَ أَسْلَمُوا، فَوَافَوْهُ بِالْحَجِّ، فَبَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ، وَأَعْطَوْهُ عُهُودَهُمْ عَلَى أَنَّا مِنْكَ وَأَنْتَ مِنَّا، وَعَلَى أَنَّ (٣) مَنْ جَاءَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَوْ جِئْتَنَا، فَإِنَّا (٤) نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ قُرَيْشٌ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهِيَ الْفِتْنَةُ الْآخِرَةُ الَّتِي أَخْرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، وَخَرَجَ هُوَ، وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِيهَا: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (٥)

ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنِ ابْنِ وهب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَاد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ -يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ -بِهَذَا، فَذَكَرَ مِثْلَهُ (٦) وَهَذَا صَحِيحٌ إِلَى عُرْوَةَ، رحمه الله.


(١) في أ: "وخافوا".
(٢) في م، أ: "وكانت".
(٣) في ك، م: "أنه".
(٤) في أ: "فإنما".
(٥) تفسير الطبري (١٣/٥٣٩) .
(٦) تفسير الطبري (١٣/٥٤٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>