للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد يقال: إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الأحياء كلها، وشرذمة من كل قبيلة إن لم يخرجوا كلهم، ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي عليه، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدو، فيجتمع لهم الأمران في هذا: النفير المعين وبعده، صلوات الله وسلامه عليه، تكون الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد؛ فإنه فرض كفاية على الأحياء.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يقول: ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي وحده، (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) يعني: عصبة، يعني: السرايا، ولا يَتَسرَّوا (١) إلا بإذنه، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون من النبي ، وقالوا: إن الله قد أنزل على نبيكم قرآنا، وقد تعلمناه. فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم، ويبعث سرايا أخرى، فذلك قوله: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) يقول: ليتعلموا ما أنزل الله على نبيهم، وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في أناس من أصحاب محمد ، خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفا، ومن الخصب (٢) ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال الناس لهم: ما نراكم إلا وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا. فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي ، فقال الله، ﷿: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) يبتغون (٣) الخير، (لِيَتَفَقَّهُوا [فِي الدِّينِ]) (٤) وليستمعوا ما في الناس، وما أنزل الله بعدهم، (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) الناس كلهم (إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

وقال قتادة في هذه الآية: هذا إذا بعث رسول الله الجيوش، أمرهم الله ألا يُعرَوْا (٥) نبيَّه ، وتقيم طائفة مع رسول الله تتفقه في الدين، وتنطلق طائفة تدعو قومها، وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم.

وقال الضحاك: كان رسولُ الله إذا غزا بنفسه لم يحلْ لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه، إلا أهل العذر. وكان إذا أقام فاسترت السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه، فكان الرجل إذا استرى فنزل بعده قرآن، تلاه رسول (٦) الله على أصحابه القاعدين (٧) معه، فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله : إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنا. فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين، وهو قوله: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يقول إذا أقام رسول الله (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) يعني بذلك: أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعا ونبي الله قاعد، ولكن إذا قعد نبي الله تسرت السرايا، وقعد معه عُظْم (٨) الناس.


(١) في جميع النسخ: "يسيروا" والمثبت من الطبري ومستفاد من ط. الشعب.
(٢) في ك: "الخطب".
(٣) في أ: "يتبعون".
(٤) زيادة من أ.
(٥) في ت: "أن لا يغزوا"، وفي أ: "أن يغزوا".
(٦) في أ: "نبي".
(٧) في ت، ك، أ: "القاعدون".
(٨) في ت، أ: "عظيم".