للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضرب [تبارك و] (١) تعالى مثلا لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها، بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض بما أنزل (٢) من السماء من الماء، مما يأكل الناس من زرع (٣) وثمار، على اختلاف أنواعها وأصنافها، وما تأكل (٤) الأنعام من أب وقَضْب وغير ذلك، (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا) أي: زينتها الفانية، (وَازَّيَّنَتْ) أي: حَسُنت بما خرج من (٥) رُباها من زهور نَضِرة مختلفة الأشكال والألوان، (وَظَنَّ أَهْلُهَا) الذين زرعوها وغرسوها (٦) (أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا) أي: على جَذاذها وحصادها فبيناهم (٧) كذلك إذ جاءتها صاعقة، أو ريح بادرة، فأيبست أوراقها، وأتلفت ثمارها؛ ولهذا قال تعالى: (أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا) (٨) أي: يبسا بعد [تلك] (٩) الخضرة والنضارة، (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ) أي: كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك.

وقال قتادة: (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ) كأن لم تنعم.

وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن؛ ولهذا جاء في الحديث (١٠) يؤتى بأنعم أهل الدنيا، فيُغْمَس في النار غَمْسَة ثم يقال له: هل رأيت خيرًا قط؟ [هل مر بك نعيم قط؟] (١١) فيقول: لا. ويؤتى بأشد الناس عذابًا في الدنيا (١٢) فيغمس في النعيم غمسة، ثم يقال له: هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا" (١٣)

وقال تعالى إخبارًا عن المهلكين: ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [هود: ٩٤، ٩٥].

ثم قال تعالى: (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ) أي: نبين الحُجج والأدلة، (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريعًا مع اغترارهم بها، وتمكنهم (١٤) بمواعيدها وتَفَلّتها (١٥) منهم، فإن من طبعها الهرب ممن طلبها، والطلب لمن هرب منها، وقد ضرب الله مثل الحياة الدنيا بنبات الأرض، في غير ما آية من كتابه العزيز، فقال في سورة الكهف: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف: ٤٥]، وكذا في سورة الزمر (١٦) والحديد (١٧) يضرب بذلك مثل الحياة الدنيا كماء.

وقال ابن جرير: حدثني الحارث (١٨) حدثنا عبد العزيز، حدثنا ابن عُيَيْنَةَ، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: سمعت مروان -يعني: ابن


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت، أ: "أنزل الله".
(٣) في ت: "زروع".
(٤) في ت: "يأكل".
(٥) في ت: "في".
(٦) في ت: "وعرشوها"
(٧) في ت، أ: "فبيناها".
(٨) في ت، أ: "جاءها" وهو خطأ.
(٩) زيادة من ت، أ.
(١٠) في ت، أ: "الصحيح".
(١١) زيادة من ت، أ، وابن ماجه.
(١٢) في ت، أ: "ويؤتى بأبأس أهل الدنيا".
(١٣) سنن ابن ماجه برقم (٤٣٢١).
(١٤) في ت، أ: "وتمسكهم".
(١٥) في ت: "وتفلها".
(١٦) الآية: ٢١.
(١٧) الآية: ٢٠
(١٨) في ت: "الحرب".