للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة، فإن في السياق ما يدل على ما حذف بخلاف هذا، كما قال الشاعر:

قلنا قفي لنا فقالت قاف … لا تَحْسَبِي أنا نَسينا الإيجاف (١)

تعني: وقفت. وقال الآخر:

ما للظليم عَالَ كَيْفَ لا يا … ينقَدُّ عنه جلده إذا يا (٢)

قال ابن جرير: كأنه أراد أن يقول: إذا يفعل كذا وكذا، فاكتفى بالياء من يفعل، وقال الآخر:

بالخير خيرات وإن شرًا فا … ولا أريد الشر إلا أن تا (٣)

يقول: وإن شرًا فشر، ولا أريد الشر إلا أن تشاء، فاكتفى بالفاء والتاء من الكلمتين عن بقيتهما، ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام، والله أعلم.

[قال القرطبي: وفي الحديث: "من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة" (٤) الحديث. قال شقيق: هو أن يقول في اقتل: اق] (٥).

وقال خصيف، عن مجاهد، أنه قال: فواتح السور كلها ﴿ق﴾ و ﴿ص﴾ و ﴿حم﴾ و ﴿طسم﴾ و ﴿الر﴾ وغير ذلك هجاء موضوع. وقال بعض أهل العربية: هي حروف من حروف المعجم، استغنى بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها، التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفًا، كما يقول القائل: ابني يكتب في: اب ت ث، أي: في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغني بذكر بعضها عن مجموعها. حكاه ابن جرير.

قلت: مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفًا، وهي: ال م ص ر ك ي ع ط س ح ق ن، يجمعها قولك: نص حكيم قاطع له سر. وهي نصف الحروف عددًا، والمذكور منها أشرف من المتروك، وبيان ذلك من صناعة التصريف.

[قال الزمخشري: وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أنصاف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة، ومن الرخوة والشديدة، ومن المطبقة والمفتوحة، ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة. وقد سردها مفصلة ثم قال: فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته، وهذه الأجناس المعدودة ثلاثون بالمذكورة منها، وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله] (٦).


(١) البيت في تفسير الطبري (١/ ٢١٢).
(٢) البيت في تفسير الطبري (١/ ٢١٣).
(٣) البيت في تفسير الطبري (١/ ٢١٣) وينسب إلى القيم بن أوس كما ذكره المحقق الفاضل.
(٤) تفسير القرطبي (١/ ١٥٦) والحديث رواه ابن ماجة في السنن برقم (٢٦٢٠) من طريق يزيد بن أبي زياد، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة به مرفوعا، وقال البوصيري في الزوائد (٢/ ٣٣٤): "هذا إسناد ضعيف، يزيد بن أبي زياد الدمشقي قال فيه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث". تنبيه: وقع في بعض النسخ المساعدة: قال سفيان، بدل شقيق، والذي في تفسير القرطبي موافق لما هاهنا، وقد روي هذا القول عن سفيان الأصبهاني في الترغيب والترهيب برقم (٢٣٢٩).
(٥) زيادة من جـ، ط، أ، و.
(٦) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.