للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بسبب تكذيبهم المتقدم، هكذا يطبع الله على قلوب من أشبههم ممن بعدهم، ويختم على قلوبهم، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.

والمراد: أن الله تعالى أهلك الأمم المكذبة للرسل، وأنجى (١) من آمن بهم، وذلك من بعد نوح، ، فإن الناس كانوا من قبله من (٢) زمان آدم على الإسلام، إلى أن أحدث الناس عبادة الأصنام، فبعث الله إليهم نوحا، ؛ ولهذا يقول له المؤمنون يوم القيامة: أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض.

وقال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام.

وقال الله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ [الإسراء: ١٧]، وفي هذا إنذار عظيم لمشركي العرب الذين كذبوا بسيد الرسل وخاتم الأنبياء والمرسلين، فإنه إذا كان قد أصاب من كذب بتلك الرسل ما ذكره الله تعالى من العقاب والنَّكَال، فماذا (٣) ظن هؤلاء وقد ارتكبوا أكبر من أولئك؟

﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (٧٨)

يقول تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا) من بعد تلك الرسل (مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ) أي: قومه. (٤) (بِآيَاتِنَا) أي: حجَجنا وبراهيننا، (فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) أي: استكبروا عن اتباع الحق والانقياد له، (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) كأنهم -قبَّحهم الله -أقسموا على ذلك، وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان، كما قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: ١٤].

(قَاَلَ) لهم (مُوسَى) منكرا عليهم: (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا) أي: تثنينا (عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) أي: الدّين الذي كانوا عليه، (وَتَكُونَ لَكُمَا) أي: لك ولهارون (الْكِبْرِيَاء) أي: العظمة والرياسة (فِي الأرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ).

وكثيرًا ما يذكر الله تعالى قصة موسى، ، مع فرعون في كتابه العزيز؛ لأنها من أعجب القصص، فإن فرعون حَذر من موسى كل (٥) الحذر، فسخره القدر أن رَبَّى هذا الذي يُحذَّر


(١) في ت، أ: "ونجى".
(٢) في ت، أ: "إلى".
(٣) في ت، أ: "فما".
(٤) في ت، أ: "أي إلى قومه".
(٥) في أ: "من".