للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) أي: يعيشوا في دارهم قبل ذلك، (أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) وكانوا جيرانهم قريبًا منهم في الدار، وشبيهًا بهم في الكفر وقَطْع الطريق، وكانوا عرَبا شبههم.

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧)

يقول تعالى مخبرًا عن إرسال موسى، ، بآياته وبيناته، وحججه ودلائله الباهرة القاطعة إلى فرعون لعنه الله، وهو ملك ديار مصر على أمة القبط، (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) أي: مسلكه ومنهجه وطريقته في الغي والضلال، (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) أي: ليس فيه رشد ولا هدى، وإنما هو جهل وضلال، وكفر وعناد، وكما أنهم اتبعوه في الدنيا، وكان مُقَدمهم ورئيسهم، كذلك هو يُقدمهم يوم القيامة إلى نار جهنم، فأوردهم إياها، وشربوا من حياض (١) رَدَاها، وله في ذلك الحظ الأوفر، من العذاب الأكبر، كما قال تعالى: ﴿فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا﴾ [المزمل: ١٦]، وقال تعالى: ﴿فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [النازعات: ٢١ - ٢٦]،

﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩)

وقال تعالى: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) وكذلك شأن المتبوعين يكونون مُوفرين في العذاب يوم المعاد، كما قال تعالى: ﴿[قَالَ] لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٨]، (٢) وقال تعالى إخبارًا عن الكَفَرة أنهم يقولون في النار: ﴿رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٦٧، ٦٨].

وقال الإمام أحمد: حدثنا هُشَيْم، حدثنا أبو الجهم، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "امرؤ القيس حامل لواء شعراء الجاهلية إلى النار" (٣).

وقوله: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أي: أتبعناهم زيادة على ما جازيناهم من عذاب النار لعنة في هذه الحياة الدنيا، (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ).

قال مجاهد: زيدوا لعنة يوم القيامة، فتلك لعنتان.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) قال: لعنة الدنيا والآخرة، وكذا


(١) في ت: "خاص".
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) المسند (٢/ ٢٢٨).