للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشرور والمنكرات والفساد في الأرض.

وقوله: (إِلا قَلِيلا) أي: قد وجد منهم من هذا الضرب قليل، لم يكونوا كثيرا، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غِيَره، وفجأة نِقَمه؛ ولهذا أمر تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كما قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٤]. وفي الحديث: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه، أوشك أن يَعُمَّهُم الله بعقاب"؛ ولهذا قال تعالى: (فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ).

وقوله: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ) أي: استمروا على ما هم فيه من المعاصي والمنكرات، ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك، حتى فَجَأهم العذابُ، (وَكَانُوا مُجْرِمِينَ).

ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة [لنفسها] (١) ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين، كما قال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [هود: ١٠١]، وقال ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦].

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)

يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كُلِّهم أمة واحدة، من إيمان أو كفران (٢) كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٩٩].

وقوله: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) أي: ولا يزال الخُلْفُ بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم.

قال (٣) عكرمة: (مُخْتَلِفِينَ) في الهدى (٤). وقال الحسن البصري: (مُخْتَلِفِينَ) في الرزق، يُسخّر بعضهم بعضا، والمشهورُ الصحيح الأول.

وقوله: (إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) أي: إلا المرحومين من أتباع الرسل، الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين (٥). أخبرتهم به رسل الله إليهم، ولم يزل ذلك دأبهم، حتى كان النبي الأمي خاتم الرسل والأنبياء، فاتبعوه وصدقوه، ونصروه ووازروه، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة؛ لأنهم الفرقة الناجية، كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن، من طرق يشد بعضها بعضا: "إن اليهود افترقت على


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت، أ: "وكفران".
(٣) في ت، أ: "وقال".
(٤) في ت، أ: "الهوى".
(٥) في ت: "الذي"، وفي أ: "الذين".