للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ (١)

{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠) }

يَقُولُ تَعَالَى وَاعِظًا لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَيْ: أَلَمْ تُخْبَرُوا خَبَرَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ {قَوْمِ نُوحٍ} وَمَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْغَرَقِ الْعَامِّ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، إِلَّا مَنْ آمَنَ بِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، {وَعَادٍ} كَيْفَ أُهْلِكُوا بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ، لَمَّا كَذَّبُوا هُودًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، {وَثَمُودَ} كَيْفَ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ لَمَّا كَذَّبُوا صَالِحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَقَرُوا النَّاقَةَ، {وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ} كَيْفَ نَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَيَّدَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ عَلَيْهِمْ، وَأَهْلَكَ مَلِكَهُمُ النَّمْرُوذَ بْنَ كَنْعَانَ بْنِ كُوشَ الْكَنْعَانِيَّ لَعَنَهُ اللَّهُ، {وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ} وَهُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَيْفَ أَصَابَتْهُمُ (٢) الرَّجْفَةُ وَالصَّيْحَةُ وَعَذَابُ يَوْمِ (٣) الظُّلَّةِ، {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} قَوْمِ لُوطٍ، وَقَدْ كَانُوا يَسْكُنُونَ فِي مَدَائِنَ، وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النَّجْمِ: ٥٣،] أَي: الْأُمَّةَ الْمُؤْتَفِكَةَ، وَقِيلَ: أُمُّ قُرَاهُمْ، وَهِيَ "سَدُومُ". وَالْغَرَضُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَهْلَكَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّ اللَّهِ لُوطًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِتْيَانِهِمُ الْفَاحِشَةَ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ.

{أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أَيْ: بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَاتِ، {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} أَيْ: بِإِهْلَاكِهِ إِيَّاهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِزَاحَةِ الْعِلَلِ {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أَيْ: بِتَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ وَمُخَالَفَتِهِمُ الْحَقَّ، فَصَارُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالدَّمَارِ.

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١) }

لَمَّا ذَكَرَ [اللَّهُ] (٤) تَعَالَى صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ الذَّمِيمَةَ، عَطَفَ بِذِكْرِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَحْمُودَةِ، فَقَالَ: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أَيْ: يَتَنَاصَرُونَ وَيَتَعَاضَدُونَ، كَمَا جَاءَ فِي الصحيح: "المؤمن للمؤمن كالبنان يَشُدُّ بَعْضُهُ (٥) بَعْضًا" وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (٦) وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سائر الجسد بالحمى والسهر" (٧)


(١) في صحيح البخاري برقم (٧٣١٩) من طريق محمد بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
(٢) في ت، أ: "أصابهم".
(٣) في ت، أ: "تلك".
(٤) زيادة من ك.
(٥) في ت: "بعضهم".
(٦) صحيح البخاري برقم (٤٨١) وصحيح مسلم برقم (٢٥٨٥) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
(٧) صحيح البخاري برقم (٦٠١١) وصحيح مسلم برقم (٢٥٨٦) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>