للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقول تعالى مخبرًا عن قيل يعقوب لابنه يوسف حين قَصّ عليه ما رأى من هذه الرؤيا، التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيما زائدًا، بحيث يخرون له ساجدين إجلالا وإكراما واحتراما (١) فخشي يعقوب، ، أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدوه (٢) على ذلك، فيبغوا له الغوائل، حسدا منهم له؛ ولهذا قال له: (لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) أي: يحتالوا لك حيلةً يُرْدُونَك فيها. ولهذا ثبتت السنة عن رسول الله أنه قال: "إذا رأى أحدكم ما يحب فليحدث به، وإذا رأى ما يكره فليتحوَّل إلى جنبه الآخر وليتفل عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من شرها، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره" (٣). وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد، وبعض أهل السنن، من رواية معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: قال رسول الله : "الرؤيا على رجل طائر ما لم تُعَبر، فإذا عُبرت وقعت" (٤) ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر، كما ورد في حديث: "استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود" (٥)

﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)

يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لولده يوسف: إنه كما اختارك (٦) ربك، وأراك هذه الكواكب مع الشمس والقمر ساجدة لك، (كَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) أي: يختارك ويصطفيك لنبوته، (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ) قال مجاهد وغير واحد: يعني تعبير الرؤيا.

(وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) أي: بإرسالك والإيحاء إليك؛ ولهذا قال: (كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ) وهو الخليل، (وَإِسْحَاقَ) ولده، وهو الذبيح في قول، وليس بالرجيح، (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي: [هو] (٧) أعلم حيث يجعل رسالاته، كما قال في الآية الأخرى.


(١) في ت، أ: "واحتراما وإكراما".
(٢) في ت: "فيحسدونه".
(٣) جاء من حديث جابر، وأم سلمة، وأبي قتادة: أما حديث جابر، فرواه مسلم في صحيحه برقم (٢٢٦٢)، وأما حديث أم سلمة، فرواه النسائي في السنن الكبرى برقم (١٠٧٤١)، وأما حديث أبي قتادة، فرواه أحمد في المسند (٥/ ٢٩٦) وهذا لفظه.
(٤) لم أعثر عليه من حديث معاوية، وإنما من حديث لقيط بن عامر ، رواه أحمد في المسند (٤/ ١٠) وأبو داود في السنن برقم (٥٠٢٠) والترمذي في السنن برقم (٢٢٧٨) وابن ماجه في السنن برقم (٣٩١٤).
(٥) رواه العقيلي في الضعفاء (٢/ ١٠٩) وابن عدي في الكامل (٣/ ٤٠٤) وأبو نعيم في الحلية (٦/ ٩٦) من طريق سعيد بن سالم العطار عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عن معاذ به مرفوعا، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (٢/ ١٦٥) وقال أبو حاتم في العلل (٢/ ٢٥٨): "حديث منكر". وآفته سعيد بن سلام العطار فهو كذاب.
(٦) في ت: "اختار".
(٧) زيادة من ت.