للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَحْسَنُهُمْ عِنْدِي بَلَاءً، وَأَعَزُّهُمْ عَلَيَّ أَنْ يَصِلَهُ (١) شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَلَقَدْ قُلْتَ مَقَالَةً لَئِنْ ذَكَرْتُهَا لَتَفْضَحَنَّكَ وَلَئِنْ كَتَمْتُهَا لَتُهْلِكَنِّي، وَلَإِحْدَاهُمَا أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنَ الْأُخْرَى. فَمَشَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَ الْجُلَاسُ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْجُلَاسَ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قَالَ مَا قَالَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، وَلَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِيهِ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. فَوَقَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا. فَزَعَمُوا أَنَّ الْجُلَاسَ تَابَ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، وَنَزَعَ فَأَحْسَنَ النُّزُوعَ (٢) هَكَذَا جَاءَ هَذَا "مُدْرَجًا" فِي الْحَدِيثِ مُتَّصِلًا بِهِ، وَكَأَنَّهُ واللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ إِسْحَاقَ نَفْسِهِ، لَا مِنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.

وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، أَقْبَلَ هُوَ وَابْنُ امْرَأَتِهِ مُصعب مِنْ قُبَاء، فَقَالَ الْجُلَاسُ: إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَنَحْنُ أَشَرُّ مِنْ حُمُرنا هَذِهِ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا. فَقَالَ مُصْعَبٌ: أَمَا وَاللَّهِ -يَا عَدُوَّ اللَّهِ -لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قُلْتَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخِفْتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ الْقُرْآنُ (٣) أَوْ تُصِيبَنِي قَارِعَةٌ، أَوْ أَنْ أُخْلَطَ (٤) بِخَطِيئَتِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْبَلْتُ أَنَا وَالْجُلَاسُ مِنْ قُبَاءَ، فَقَالَ كَذَا وَكَذَا، وَلَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ أُخْلَطَ (٥) بِخَطِيئَةٍ أَوْ تُصِيبَنِي قَارِعَةٌ مَا أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: فَدَعَا الْجُلَاسَ فَقَالَ: "يَا جُلَاسُ، أَقُلْتَ الَّذِي قَالَهُ مُصْعَبٌ؟ " فَحَلَفَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} الْآيَةَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ الَّذِي قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ -فِيمَا بَلَغَنِي -الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، فَرَفَعَهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ، يُقَالُ لَهُ: عُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ، فَأَنْكَرَهَا، فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قَالَهَا: فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ تَابَ وَنَزَعَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، فِيمَا بَلَغَنِي.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فَقَالَ: "إِنَّهُ سيأتيكم إنسان فينظر إِلَيْكُمْ بِعَيْنَيِ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا جَاءَ فَلَا تُكَلِّمُوهُ". فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ طَلَعَ رَجُلٌ أَزْرَقُ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟ " فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَجَاءَ بِأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا بِاللَّهِ مَا قَالُوا، حَتَّى تَجَاوُزَ عَنْهُمْ، فَأَنْزَلَ (٦) اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} الْآيَةَ (٧)

وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِيمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرة، عَنْ [أَبِي] (٨) الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، رَضِيَ اللَّهُ


(١) في ك: "يصله إليه".
(٢) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/٥١٩) .
(٣) في ك: "قرآنا".
(٤) في أ: "أختلط".
(٥) في ت، أ: "أختلط".
(٦) في ت، ك: "وأنزل".
(٧) تفسير الطبري (١٤/٣٦٣) .
(٨) زيادة من ت، أ، والدلائل.

<<  <  ج: ص:  >  >>