للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من أصحاب رسول الله -قال الأعمش: هو [ابن] (١) عمر، عن النبي أنه قال: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم". (٢)

وقوله: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ) [يعني: هؤلاء المكذبين لك يا محمد في الأرض،] (٣) (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي: من الأمم المكذبة للرسل، كيف دمر الله عليهم، وللكافرين أمثالها، كقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦]، فإذا استمعوا (٤) خبر ذلك، رأوا أن الله قد أهلك الكافرين ونجى المؤمنين، وهذه كانت سنته تعالى في خلقه؛ ولهذا قال تعالى: (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) (٥) أي: وكما أنجينا المؤمنين في الدنيا، كذلك كتبنا لهم النجاة في الدار الآخرة أيضًا، وهي خير لهم من الدنيا بكثير، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: ٥١، ٥٢].

وأضاف الدار إلى الآخرة فقال: (وَلَدَارُ الآخِرَةِ) كما يقال: "صلاة الأولى" و"مسجد الجامع" و"عام الأول" و "بارحة الأولى" و"يوم الخميس". قال الشاعر:

أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وَتذمّ (٦) عَبْسًا … ألا لله أمَّكَ من هَجين

وَلو أقْوتْ عَلَيك ديارُ عَبْسٍ … عَرَفْتَ الذّلّ عرْفانَ اليَقين (٧)

﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)

يخبر تعالى أن نصره ينزل على رسله، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله تعالى في أحوج الأوقات إلى ذلك، كما في قوله تعالى: ﴿وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤]، وفي قوله: (كُذِبُوا) قراءتان، إحداهما بالتشديد: "قد كُذِّبُوا"، وكذلك كانت عائشة، ، تقرؤها، قال البخاري:

حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب قال:


(١) زيادة من ت، أ، والمسند.
(٢) المسند (٢/ ٤٣).
(٣) زيادة من ت.
(٤) في ت، أ: "استعملوا".
(٥) في ت، أ: "يتقون" وهو خطأ.
(٦) في ت: "وتمدح".
(٧) البيتان في تفسير الطبري (١٦/ ٢٩٥).