للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جاءهم النصر على ذلك، (فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ) (١)

وكذا روي عن سعيد بن جبير، وعمران بن الحارث السلمي، وعبد الرحمن بن معاوية وعلي بن أبي طلحة، والعوفي عن ابن عباس بمثله.

وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا عارم (٢) أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا شعيب (٣) حدثنا إبراهيم بن أبي حُرة (٤) الجزرِيّ قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير فقال له: يا أبا عبد الله، كيف هذا الحرف، فإني إذا أتيت عليه تمنيت أني لا أقرأ هذه السورة: (حَتَّى إِذَا اسْتَيئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا)؟ قال: نعم، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم، وظن المرسَلُ إليهم أن الرسل كَذَبوا. فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجل يدعى إلى علم فيتلكأ! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا.

ثم روى ابن جرير أيضا من وجه آخر: أن مسلم بن يَسَار سأل سعيد بن جبير عن ذلك، فأجابه بهذا الجواب، فقام إلى سعيد فاعتنقه، وقال: فرَّج الله عنك كما فَرجت عني.

وهكذا روي من غير وجه عن سعيد بن جبير أنه فسرها كذلك، وكذا فسرها مجاهد بن جَبْر، وغير واحد من السلف، حتى إن مجاهدا قرأها: "وظنوا أنهم قد كَذَبوا"، بفتح الذال. رواه ابن جرير، إلا أن بعض من فسرها كذلك يعيد الضمير في قوله: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) إلى أتباع الرسل من المؤمنين، ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم، أي: وظن الكفار أن الرسل قد كَذبوا -مخففة -فيما وعدوا به من النصر.

وأما ابن مسعود فقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا محمد بن فضيل (٥) عن جَحش (٦) بن زياد الضبي، عن تميم بن حَذْلَم قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ) من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم (٧) وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كَذَبوا، بالتخفيف. (٨)

فهاتان الروايتان عن كل من ابن مسعود وابن عباس، وقد أنكرت ذلك عائشة على من فسرها بذلك، وانتصر لها ابن جرير، ووجه المشهور عن الجمهور، وزيف القول الآخر بالكلية، وردَّهُ وأبَاه، ولم يقبله ولا ارتضاه، والله أعلم. (٩)

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)


(١) في ت: "فننجي".
(٢) في ت: "غارم".
(٣) في أ: "شعبة".
(٤) في ت، أ: "أبي حمزة".
(٥) في أ: "فضل".
(٦) في ت، أ: "محسن".
(٧) في ت، أ: "لهم".
(٨) في ت، أ: "مخففة".
(٩) انظر ما قالته عائشة في: تفسير الطبري (١٦/ ٣٠٧، ٣٠٨) ورد الطبري لقول ابن عباس (١٦/ ٣٠٦).