للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَتَّال لِهَامَةِ عَدُوِّهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} أَيْ: قَاتِلُوا الْكُفَّارَ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَكُمْ إِنِ اتَّقَيْتُمُوهُ وَأَطَعْتُمُوهُ.

وَهَكَذَا الْأَمْرُ لَمَّا كَانَتِ الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فِي غَايَةِ الِاسْتِقَامَةِ، وَالْقِيَامِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ يَزَالُوا ظَاهِرِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَلَمْ تَزَلِ الْفُتُوحَاتُ كَثِيرَةً، وَلَمْ تَزَلِ الْأَعْدَاءُ فِي سَفال وَخَسَارٍ. ثُمَّ لَمَّا وَقَعَتِ الْفِتَنُ وَالْأَهْوَاءُ وَالِاخْتِلَافَاتُ بَيْنَ الْمُلُوكِ، طَمِعَ الْأَعْدَاءُ فِي أَطْرَافِ الْبِلَادِ، وَتَقَدَّمُوا إِلَيْهَا، فَلَمْ يُمَانِعُوا لِشُغْلِ الْمُلُوكِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثُمَّ تَقَدَّمُوا إِلَى حَوْزَةِ الْإِسْلَامِ، فَأَخَذُوا مِنَ الْأَطْرَافِ بُلْدَانًا كَثِيرَةً، ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا حَتَّى اسْتَحْوَذُوا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَلِلَّهِ، سُبْحَانَهُ، الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. فَكُلَّمَا (١) قَامَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ، وَأَطَاعَ أَوَامِرَ اللَّهِ، وَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ، فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْبِلَادِ، وَاسْتَرْجَعَ مِنَ الْأَعْدَاءِ بِحَسَبِهِ، وَبِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ. وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ الْمَأْمُولُ أَنْ يُمَكِّنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَوَاصِي أَعْدَائِهِ الْكَافِرِينَ، وَأَنْ يُعْلِيَ كَلِمَتَهُمْ فِي سَائِرِ الْأَقَالِيمِ، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ.

{وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥) }

يَقُولُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ} فَمِنَ الْمُنَافِقِينَ {مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} ؟ أَيْ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ إِيمَانًا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} .

وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَكْبَرِ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ، بَلْ قَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ" رَحِمَهُ اللَّهُ، {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} أَيْ: زَادَتْهُمْ شَكًّا إِلَى شَكِّهِمْ، وَرَيْبًا إِلَى رَيْبِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الْإِسْرَاءِ: ٨٢] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فُصِّلَتْ: ٤٤] ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ شَقَائِهِمْ أَنَّ مَا يَهْدِي الْقُلُوبَ يَكُونُ سَبَبًا لِضَلَالِهِمْ وَدَمَارِهِمْ، كَمَا أَنَّ سَيِّئَ الْمِزَاجِ لَوْ غُذِّيَ بِمَا غُذِّيَ بِهِ لا يزيده إلا خبالا ونقصا.


(١) في ت: "فلما".

<<  <  ج: ص:  >  >>