للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا يونس بن بُكَيْر، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، ورجلا من بني عبد الدار، وأبا البَخْتَري أخا بني أسد، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام (١) وعبد الله بن أبي أمية، وأمية ابن خلف، والعاص بن وائل، ونُبَيها ومُنَبِّها ابني الحجاج السَّهْمِيَّين، اجتمعوا، أو: من اجتمع منهم، بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلّموه وخاصموه حتى تعذروا فيه (٢) فبعثوا إليه: أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك. فجاءهم رسول الله سريعًا وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بداء، وكان عليهم حريصًا، يحب رُشْدَهم، ويعز عليه عَنَتُهم، حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنُعْذرَ فيك، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه (٣) ما أدخلت على قومك! لقد شتمت الآباء، وعِبتَ الدين، وسَفَّهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، فما بقي من أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك! فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا، سوّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيًا تراه قد (٤) غلب عليك -وكانوا (٥) يسمون التابع من الجن: الرئي -فربما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطب، حتى نبرئك منه، أو نُعذَر فيك.

فقال رسول الله : "ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن بعثني (٦) إليكم رسولا وأنزل عليّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر (٧) لأمر الله، حتى يحكم الله بيني وبينكم". أو كما قال رسول الله تسليمًا.

فقالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق منا بلادًا، ولا أقل مالا ولا أشد عيشًا منا، فاسأل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضَيَّقت علينا، وَلْيبسُط لنا بلادنا، وَلْيُفَجر (٨) فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يُبْعث لنا قُصيّ بن كلاب، فإنه كان شيخًا صدوقًا، فنسألهم عما تقول (٩) حق هو أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك وصدقوك، صدقناك، وعرفنا منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولا كما تقول!

فقال لهم رسول الله : "ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله، حتى يحكم


(١) في ت: "هاشم" وهو خطأ.
(٢) في ت: "إليه".
(٣) في ت: "قومك".
(٤) في ف: "وقد".
(٥) في ت: "فكانوا".
(٦) في ت: "بعثني الله".
(٧) في ت: "أصير".
(٨) في ت: "وليخرج"، وفي ف: "وليجر".
(٩) في ت: "ليسألهم عما يقول".