للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نعبد الملائكة، وهم بنات الله.

﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا (٥)﴾.

(مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) أي: بهذا القول الذي افتروه وائتفكوه من علم (وَلا لآبَائِهِمْ) أي: أسلافهم.

(كَبُرَتْ كَلِمَةً): نصب على التمييز، تقديره: كبرت كلمتهم هذه كلمة.

وقيل: على التعجب، تقديره: أعظم بكلمتهم كلمة، كما تقول: أكرم بزيد رجلا قاله بعض البصريين. وقرأ ذلك بعض قراء مكة: (كَبُرَتْ كَلِمَةً) كما يقال: عَظُم قولُك، وكبر (١) شأنُك.

والمعنى على قراءة الجمهور أظهر؛ فإن هذا تبشيع لمقالتهم (٢) واستعظام لإفكهم؛ ولهذا قال: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) أي: ليس لها مستند سوى قولهم، ولا دليل لهم عليها إلا كذبهم وافتراؤهم؛ ولهذا قال: (إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا).

وقد ذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه السورة الكريمة، فقال: حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي مُعَيط، إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار يهود (٣) عن رسول الله ، ووصفوا لهم (٤) أمره وبعض قوله، وقالا (٥) إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. قال: فقالت لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بِهِن، فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل مُتَقَول فَرَوا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإنهم (٦) قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبَؤه (٧)؟ [وسلوه عن الروح، ما هو؟] (٨) فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.

فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله فقالوا: يا محمد، أخبرنا: فسألوه عما أمروهم به، فقال (٩) لهم رسول الله : "أخبركم غدا بما سألتم عنه". ولم يستثن، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله خمس عشرة ليلة، لا يُحدث الله إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل، ، حتى أرجف (١٠) أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدًا، واليوم خمسَ عشرةَ قد أصبحنا فيها، لا يُخبرنا بشيء عما سألناه عنه. وحتى أحزنَ رسول الله مكثُ الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل، ، من عند الله، ﷿، بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخَبَر ما سألوه عنه من أمر الفتية (١١) والرجل الطواف، وقول الله ﷿: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا﴾ [الإسراء: ٨٥] (١٢)


(١) في ت: "وعظم".
(٢) في ت: "لمقالهم".
(٣) في ت: "يهودي".
(٤) في أ: "له".
(٥) في ت: "وقال".
(٦) في أ: "فإنه".
(٧) في ت، أ: "بناؤه".
(٨) زيادة من الطبري.
(٩) في ت: فقالوا".
(١٠) في ت: "أوجب".
(١١) في ت: "الفقيه".
(١٢) رواه الطبري في تفسيره (١٥/ ١٢٧).