للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو (١) من الأمور التي اشترطت معك ألا تنكر عليّ فيها، لأنك لم تحط بها خبرًا، ولها داخل هو مصلحة ولم تعلمه (٢) أنت.

(قَالَ) أي موسى: (لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا) أي: لا تضيق عليّ وتُشدد (٣) علىّ؛ ولهذا تقدم في الحديث عن رسول الله أنه قال: "كانت الأولى من موسى نسيانًا".

﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤)

يقول تعالى: (فَانْطَلَقَا) أي: بعد ذلك، (حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ) وقد تقدم أنه كان يلعب مع الغلمان في قرية من القرى، وأنه عمد إليه من بينهم، وكان أحسنهم وأجملهم وأوضأهم (٤) فقتله، فروي أنه احتز رأسه، وقيل: رضخه بحجر. وفي رواية: اقتطفه بيده. والله أعلم.

فلما شاهد موسى، ، هذا أنكره أشد من الأول، وبادر فقال: (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً) (٥) أي صغيرة لم تعمل الحنث (٦)، ولا حملت إثمًا بعد، فقتلته؟! (بِغَيْرِ نَفْسٍ) أي: بغير مستند لقتله (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) أي: ظاهر النكارة.

﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (٧٦)

(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) فأكد أيضًا في التذكار بالشرط الأول؛ فلهذا قال له موسى: (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا) أي: إن اعترضت عليك بشيء بعد هذه المرة (فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا) أي: قد أعذرت إليّ مرة بعد مرة.

قال ابن جرير: حدثنا عبد الله بن أبي زياد، حدثنا حجاج بن محمد، عن حمزة الزيات، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب قال: كان النبي إذا ذكر أحدًا فدعا له، بدأ بنفسه، فقال ذات يوم: "رحمة الله علينا وعلى موسى، لو لبث (٧) مع صاحبه لأبصر العجب ولكنه قال: (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا) " [مثقلة] (٨) (٩).

﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (٧٧) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨)﴾.

يقول تعالى مخبرا عنهما: إنهما انطلقا بعد المرتين الأوليين (١٠) (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ) روى


(١) في ف: "وهي".
(٢) في ت: "تعلم".
(٣) في ت، ف: "ولا تشدد".
(٤) في ف: "وأضوأهم".
(٥) في ت: "زاكية بغير نفس".
(٦) في أ: "الخبث".
(٧) في ف، أ: "ثبت".
(٨) زيادة من ف، أ، والطبري.
(٩) تفسير الطبري (١٥/ ١٨٦) ورواه أبو داود في السنن برقم (٣٩٨٤) من طريق حمزة الزيات به.
(١٠) في أ: "الأولتين".