للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم، كما جاء في القرآن ووردت السنة به (١). قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاح، وتقدم أنه كان الأب السابع. [فالله أعلم] (٢)

وقوله: (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا): هاهنا أسند الإرادة إلى الله تعالى؛ لأن بلوغهما الحلم (٣) لا يقدر عليه إلا الله؛ وقال في الغلام: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ﴾ وقال في السفينة: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾، فالله أعلم.

وقوله: (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) أي: هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام، وولدي الرجل الصالح، (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر، ، مع ما تقدم من (٤) قوله: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾.

وقال آخرون: كان رسولا. وقيل بل كان ملكًا. نقله الماوردي في تفسيره.

وذهب كثيرون إلى أنه لم يكن نبيًا. بل كان وليًا. فالله أعلم.

وذكر ابن قتيبة في المعارف أن اسم الخضر بَلْيَا بن مَلْكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، (٥)

قالوا: وكان يكنى أبا العباس، ويلقب بالخضر، وكان من أبناء الملوك، ذكره النووي في تهذيب الأسماء، وحكى هو وغيره في كونه باقيًا إلى الآن ثم إلى يوم القيامة قولين، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه، وذكروا في ذلك حكايات وآثارًا عن السلف وغيرهم وجاء ذكره في بعض الأحاديث. ولا يصح شيء من ذلك، وأشهرها أحاديث (٦) التعزية وإسناده ضعيف.

ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] وبقول النبي يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" (٧)، وبأنه لم ينقل أنه جاء إلى رسول الله [ولا حضر عنده، ولا قاتل معه. ولو كان حيا لكان من أتباع النبي ] (٨) وأصحابه؛ لأنه (٩) كان مبعوثًا إلى جميع الثقلين: الجنّ والإنس، وقد قال: "لو كان موسى وعيسى حَيَّيْن ما (١٠) وسعهما إلا اتباعي" (١١) وأخبر قبل موته بقليل: أنه لا يبقى ممن هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تَطْرفُ، إلى غير ذلك من الدلائل.


(١) في ف: "به السنة".
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) في ت: "الحكم".
(٤) في ف: "في".
(٥) المعارف (ص ٤٢).
(٦) في ت: "حديث".
(٧) رواه مسلم في صحيحه برقم (١٧٦٣) من حديث عمر، .
(٨) زيادة من ف، أ.
(٩) في أ: "".
(١٠) في ت، ف: "لما".
(١١) ذكره ابن أبي العز في شرح الطحاوية في سياقه وعلق عليه الشيخ ناصر الألباني في تخريج الطحاوية بقوله: "كذا الأصل، وكأنه يشير إلى الحديث الذي ذكره شيخه ابن كثير في تفسير سورة الكهف بلفظ: "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي". وهو حديث محفوظ، دون ذكر "عيسى" فيه، فإنه منكر عندي لم أره في شيء من طرقه، وهي مخرجة في إراواء الغليل برقم (١٥٨٩) ".