للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها.

وقوله: (وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا): قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والسدي، وقتادة، والضحاك، وغيرهم: يعني علمًا.

وقال قتادة أيضًا في قوله: (وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) قال: منازل الأرض وأعلامها.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: (وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) قال: تعليم الألسنة، كان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم.

وقال ابن لَهيعة: حدثني سالم بن غَيْلان، عن سعيد بن أبي هلال؛ أن معاوية بن أبي سفيان قال (١) لكعب الأحبار: أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك، فإن الله تعالى قال: (وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا).

وهذا الذي أنكره معاوية، ، على كعب الأحبار هو الصواب (٢)، والحق مع معاوية في الإنكار؛ فإن معاوية كان يقول عن كعب: "إن كنا لنبلو (٣) عليه الكذب" يعني: فيما ينقله، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحيفته (٤)، ولكن الشأن في صحيفته (٥)، أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق (٦) ولا حاجة لنا مع خبر الله ورسول الله [] (٧) إلى شيء منها بالكلية، فإنه دخل منها على الناس شر كثير (٨) وفساد عريض. وتأويل كعب قول الله: (وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحيفته من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق؛ فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك، ولا إلى الترقي (٩) في أسباب السموات. وقد قال الله في حق بلقيس: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣] أي: مما يؤتى مثلها من الملوك، وهكذا ذو القرنين يسر الله له الأسباب، أي: الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرَّسَاتيق والبلاد والأراضي وكسر الأعداء، وكبت ملوك الأرض، وإذلال أهل الشرك. قد أوتي من كل شيء مما (١٠) يحتاج إليه مثله سببًا، والله أعلم.

وفي "المختارة" للحافظ الضياء المقدسي، من طريق قتيبة، عن أبي عوانة عن سماك بن حرب، عن حبيب بن حماز (١١) قال: كنت عند علي، ، وسأله رجل عن ذي القرنين: كيف بلغ المشارق والمغارب؟ فقال سبحان الله سخر له السحاب، وقَدَّر له الأسباب، وبسط له اليد (١٢).


(١) في ت: "يقول".
(٢) في أ: "الطنوب".
(٣) في أ: "لنتلو".
(٤) في ف، أ: "صحفه".
(٥) في ف، أ: "صحفه".
(٦) في أ: "مخلق".
(٧) زيادة من ف، أ.
(٨) في ت: "كبير".
(٩) في ف: "الرقى".
(١٠) في أ: "ما".
(١١) في ت، ف، أ: "حماد".
(١٢) المختارة برقم (٤٠٩).