للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهكذا رواه إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن سمرة مرفوعًا. وروي عن قتادة، عن أنس بن مالك مرفوعًا بنحوه. وقد نقله (١) ابن جرير، (٢)

وفي الصحيحين: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط (٣) الجنة، ومنه تُفَجَّرُ أنهار الجنة" (٤)

وقوله: (نزلا) أي ضيافة، فإن النزل هو الضيافة.

وقوله: (خَالِدِينَ فِيهَا) أي: مقيمين ساكنين (٥) فيها، لا يظعنون عنها أبدًا، (لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا) أي: لا يختارون (٦) غيرها، ولا يحبون سواها، كما قال الشاعر (٧)

فَحَّلْت سُوَيدا القَلْب لا أنَا بَاغيًا … سواها ولا عَنْ حُبّها أتَحوّلُ

وفي قوله: (لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا) تنبيه على رغبتهم فيها، وحبهم لها، مع أنه قد يتوهم (٨) فيمن هو مقيم في المكان دائمًا أنه يسأمه أو يمله، فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي، لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالا ولا ظعنًا (٩) ولا رحلة (١٠) ولا بدلا (١١)

﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)﴾.

يقول تعالى: قل يا محمد: لو كان ماء البحر مدادًا للقلم الذي تكتب (١٢) به كلمات ربى وحكمه وآياته الدالة (١٣) عليه، (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) أي: [لفرغ البحر] (١٤) قبل أن يفرغ من كتابة ذلك (وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ) أي: بمثل البحر آخر، ثم آخر، وهلم جرا، بحور تمده ويكتب بها، لما نفدت كلمات الله، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [لقمان: ٢٧].

قال الربيع بن أنس: إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور (١٥) كلها، وقد أنزل الله ذلك: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا).


(١) في أ: "ذكر ذلك كله".
(٢) تفسير الطبري (١٦/ ٣٠) ورواه الترمذي في السنن برقم (٣١٧٤) من طريق روح بن عبادة، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
(٣) في ت: "وأوسطه".
(٤) صحيح البخاري برقم (٧٤٢٣).
(٥) في ف، أ: "ماكثين".
(٦) في ت: "لا تختارون".
(٧) هو النابغة الجعدي، والبيت في مغني اللبيب (ص ٢٦٥) أ. هـ مستفادا من حاشية ط - الشعب.
(٨) في أ: "أنه قد توهم".
(٩) في ت: "ضعفا".
(١٠) في أ: "رحيلة".
(١١) في ت، ف، أ: "بديلا".
(١٢) في ف: "يكتب".
(١٣) في ت، ف، أ: "والدلالات".
(١٤) زيادة من ت، ف، أ.
(١٥) في ت: "البحر".