للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار، أنه سمع عكرمة عن ابن عباس قال: لا والله ما أدري (١) ما حنانًا.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن منصور: سألت سعيد بن جبير عن قوله: (وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا)، فقال: سألت عنها عباس، فلم يحر (٢) فيها شيئًا.

والظاهر من هذا السياق أن: (وَحَنَانًا [مِنْ لَدُنَّا]) (٣) معطوف على قوله: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) أي: وآتيناه الحكم وحنانا، (وَزَكَاةً) أي: وجعلناه ذا حنان وزكاة، فالحنان هو المحبة في شفقة وميل كما تقول العرب: حنّت الناقة على ولدها، وحنت المرأة على زوجها. ومنه سميت المرأة "حَنَّة" من الحَنَّة، وحن الرجل إلى وطنه، ومنه التعطف والرحمة، كما قال الشاعر (٤)

تَحنَّنْ (٥) عَلَي هَدَاكَ المليكُ … فإنَّ لكُل مَقامٍ مَقَالا

وفي المسند للإمام أحمد، عن أنس، ، أن (٦) رسول الله صلى الله عليه قال: "يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة: يا حنان يا منان" (٧)

وقد يُثنَّى (٨) ومنهم من يجعل ما ورد من (٩) ذلك لغة بذاتها، كما قال طرفة:

أَنَا مُنْذر أفنيتَ فاسْتبق بَعْضَنَا … حَنَانَيْك بَعْض الشَّر أهْونُ مِنْ بَعْض (١٠)

وقوله: (وَزَكَاةً) معطوف على (وَحَنَانًا) فالزكاة الطهارة من الدنس والآثام والذنوب.

وقال قتادة: الزكاة (١١) العمل الصالح.

وقال الضحاك وابن جريج: العمل الصالح الزكي.

وقال العوفي عن ابن عباس: (وَزَكَاةً) [قال: بركة] (١٢) (وَكَانَ تَقِيًّا) طهر، فلم يعمل بذنب.

وقوله: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) لما ذكر تعالى طاعته لربه، وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة وتقى، عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما، ومجانبته (١٣) عقوقهما، قولا وفعلا [وأمرًا] (١٤) ونهيًا؛ ولهذا قال: (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك: (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) أي: له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال.

وقال سفيان بن عيينة: أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد، فيرى نفسه خارجًا مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قومًا لم يكن عاينهم، ويوم يبعث، فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه، فقال (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)


(١) في ت، أ: "لا أدري".
(٢) في ف، أ: "يخبر".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) هو الحطيئة، والبيت في اللسان، مادة "حنن".
(٥) في أ: "تعطف"
(٦) في ت، ف، أ: "عن".
(٧) المسند (٣/ ٢٣٠).
(٨) في أ: "يعني".
(٩) في أ: "في".
(١٠) البيت في ديوانه (ص ٢٠٨) أ. هـ مستفادا من حاشية ط - الشعب.
(١١) في ت: "والزكاة".
(١٢) زيادة من ف، أ.
(١٣) في ف: ""ومجانبة".
(١٤) زيادة من أ.