للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم، أي: قويم، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى.

وقوله: (فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) أي: اختلفت (١) أقوال أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنه عبده (٢) ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فصَمَّمَت طائفة -وهم جمهور اليهود، عليهم لعائن الله -على أنه ولد زنْيَة، وقالوا: كلامه هذا سحر. وقالت طائفة أخرى: إنما تكلم (٣) الله. وقال آخرون: هو ابن الله، وقال آخرون: ثالث ثلاثة. وقال آخرون: بل هو عبد الله ورسوله. وهذا هو قول الحق، الذي أرشد الله إليه (٤) المؤمنين. وقد روي [نحو هذا] (٥) عن عمرو بن ميمون، وابن جريج، وقتادة، وغير واحد من السلف والخلف.

قال عبد الرزاق: أخبرنا (٦) مَعْمَر، عن قتادة في قوله: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ)، قال: اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر، أخرج كل قوم عالمهم، فامتروا (٧) في عيسى حين رفع، فقال أحدهم: هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا، وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء -وهم اليعقوبية. فقال الثلاثة: كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث: قل (٨) أنت فيه، قال: هو ابن الله -وهم النسطورية. فقال الاثنان: كذبت. ثم قال أحد الاثنين للآخر: قل فيه. قال: هو ثالث ثلاثة: الله إله، وهو إله، وأمه إله -وهم الإسرائيلية ملوك (٩) النصارى، عليهم لعائن الله. قال الرابع: كذبت، بل هو عبد الله ورسوله وروحه، وكلمته، وهم المسلمون. فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قالوا، فاقتتلوا فظُهِرَ على المسلمين، وذلك قول الله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ٢١] وقال (١٠) قتادة: وهم الذين قال الله: (فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) قال: اختلفوا فيه فصاروا أحزابًا (١١)

وقد روى ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، وعن عروة بن الزبير، وعن بعض أهل العلم، قريبًا من ذلك. وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم: أن قسطنطين جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة (١٢) منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفًا، فاختلفوا في عيسى ابن مريم، ، اختلافًا متباينًا، فقالت كل شرذمة فيه قولا فمائة تقول فيه قولا (١٣) وسبعون تقول (١٤) فيه قولا آخر، وخمسون تقول (١٥) فيه شيئًا آخر، ومائة وستون تقول شيئًا، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم، اتفقوا على قول وصَمَّموا عليه (١٦) ومال (١٧) إليهم الملك، وكان فيلسوفًا، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة، بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين، وشرَّعوا له أشياء (١٨)


(١) في أ: "اختلف".
(٢) في ت: "عبد الله".
(٣) في ف، أ: "يكلم".
(٤) في ت: "فيه".
(٥) زيادة من أ.
(٦) في ت: "حدثنا".
(٧) في أ: "فامتتروا".
(٨) في أ: "قلت".
(٩) في ت: "ملك".
(١٠) في ت، ف، أ: "قال".
(١١) تفسير عبد الرزاق (٢/ ٩).
(١٢) في ت: "الأساومة".
(١٣) في أ: "شيئا".
(١٤) في ف، أ: "يقولون".
(١٥) في ف، أ: "يقولون".
(١٦) في ت: "عليهم".
(١٧) في ف، أ: "فمال".
(١٨) في أ: "شيئا".