للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال سفيان الثوري: بلغني أنه أقام في ذلك المكان ينتظره حولا حتى جاءه.

وقال ابن (١) شَوْذَب: بلغني أنه اتخذ ذلك الموضع سكنًا.

وقد روى أبو داود في سننه، وأبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه "مكارم الأخلاق" من طريق إبراهيم بن طَهْمَان، عن عبد الله (٢) بن مَيْسَرة، عن عبد الكريم -يعني: ابن عبد الله بن شَقيق-عن أبيه، عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت رسول الله قبل أن يبعث فبقيت له عليّ بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك، قال: فنسيت (٣) يومي والغد، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ذلك، فقال لي: "يا فتى، لقد شققت (٤) علي، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك" لفظ الخرائطي (٥)، وساق آثارًا حسنة في ذلك.

ورواه ابن مَنْده أبو عبد الله في كتاب "معرفة الصحابة"، بإسناده (٦) عن إبراهيم بن طَهْمَان، عن بُدَيْل بن ميسرة، عن عبد الكريم، به (٧).

وقال بعضهم: إنما قيل له: (صَادِقَ الْوَعْدِ)؛ لأنه قال لأبيه: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: ١٠٢]، فصدق في ذلك.

فصدق الوعد من الصفات الحميدة، كما أن خُلْفَه من الصفات الذميمة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢، ٣] وقال رسول الله : "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" (٨)

ولما كانت هذه صفات المنافقين، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد، وكذلك كان رسول الله صادق الوعد أيضًا، لا يعد أحدًا شيئًا إلا وفّى له به، وقد أثنى على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب، فقال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي" (٩). ولما توفي النبي قال الخليفة أبو بكر الصديق: من كان له عند رسول الله عدَةٌ أو دَيْن فليأتني أنجز له، فجاءه (١٠) جابر بن عبد الله، فقال: إن رسول الله كان قال: "لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا"، يعني: ملء كفيه، فلما جاء مال البحرين أمر الصديق جابرًا، فغرف بيديه من المال، ثم أمره بِعَدّه، فإذا هو خمسمائة درهم، فأعطاه مثليها معها (١١)

وقوله: (وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا) في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق؛ لأنه إنما


(١) في ت: "أبو".
(٢) في سنن أبي داود: "بديل".
(٣) في ت: "نسيت".
(٤) في ت: "لو أشفقت".
(٥) سنن أبي داود برقم (٤٩٩٦) ومكارم الأخلاق برقم (١٧٧).
(٦) في ت، أ: "إنه بإسناده".
(٧) ورواه ابن الأثير في أسد الغابة (٣/ ١١٣) بإسناده إلى إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة مثله.
(٨) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٣) ومسلم في صحيحه برقم (٥٩) من حديث أبي هريرة .
(٩) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٧٢٩) ومسلم في صحيحه برقم (٢٤٤٩) من حديث المسور بن مخرمة .
(١٠) في أ: "فجاء".
(١١) رواه البخاري في صحيحه برقم (٢٦٨٣) ومسلم في صحيحه برقم (٢٣١٤).