للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سمعت أبا معاذ البصري قال: إن عليا كان ذات يوم عند رسول الله فقرأ هذه الآية: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) فقال: ما أظن الوفد إلا الركب (١) يا رسول الله. فقال رسول الله (٢) : "والذي نفسي بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون -أو: يؤتون-بنوق بيض لها أجنحة، وعليها رحال الذهب، شُرُك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان، فيشربون من إحداهما، فتغسل ما في بطونهم من دنس، ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبدًا، وتجري عليهم نضرة النعيم، فينتهون أو: فيأتون باب الجنة، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، فيضربون بالحلقة على الصفيحة (٣) فيسمع (٤) لها طنين يا علي، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل، فتبعث قيمها فيفتح له، فإذا رآه خرّ له -قال مسلمة (٥) أراه قال: ساجدًا-فيقول: ارفع رأسك، فإنما أنا قيمك، وكلت بأمرك. فيتبعه ويقفو أثره، فتستخف الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه، ثم تقول: أنت -حِبّي، وأنا حبّك، وأنا الخالدة التي لا أموت، وأنا الناعمة التي لا أبأس، وأنا الراضية التي لا أسخط، وأنا المقيمة التي لا أظعن. فيدخل بيتًا من أسّه إلى سقفه مائة ألف ذراع، بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق: أصفر وأحمر وأخضر، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها. وفي البيت سبعون سريرًا، على كل سرير سبعون حشية، على كل حشية سبعون زوجة، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الحلل، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه. الأنهار من تحتهم تطرد، أنهار من ماء غير آسن -قال: صاف لا كَدَر فيه (٦) -وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، لم يخرج من ضروع الماشية، وأنهار من خمر لذة للشاربين، لم يعتصرها (٧) الرجال بأقدامهم (٨) وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل، فيستحلي (٩) الثمار، فإن شاء أكل قائمًا، وإن شاء قاعدًا، وإن شاء متكئًا، ثم تلا ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا﴾ [الإنسان: ١٤]، فيشتهي الطعام، فيأتيه طير أبيض، وربما قال: أخضر (١٠) فترفع أجنحتها، فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء، ثم تطير فتذهب، فيدخل الملك فيقول: سلام عليكم: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: ٧٢] ولو أن شعرة من شعر الحوراء (١١) وقعت لأهل الأرض، لأضاءت الشمس معها سواد في نور" (١٢).

هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعًا، وقد رويناه في المقدمات من كلام علي، ، بنحوه، وهو أشبه بالصحة، والله أعلم.

وقوله: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) أي: عطاشا.

(لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ) أي: ليس لهم من يشفع لهم، كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض، كما قال تعالى مخبرًا عنهم: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ [الشعراء: ١٠٠، ١٠١]


(١) في أ: "الركوب".
(٢) في أ: "النبي".
(٣) في ف: "الصفحة".
(٤) في أ: "فلو تسمع".
(٥) في ف، أ: "سلمة".
(٦) في ف: "فيها".
(٧) في ف، أ: "يعصرها".
(٨) في أ: "بأقدامها".
(٩) في ف، أ: "فيستميل".
(١٠) في ف، أ: "خضر".
(١١) في ف: "الحور العين"، وفي أ: "من شعر الحور".
(١٢) ورواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة برقم (٧) من طريق الضحاك بن مزاحم، عن الحارث، عن علي أنه سأل النبي عن هذه الآية: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) فذكر نحوه.