للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: لأنه قُدّس مرتين، وطوى له البركة وكررت: والأول أصح، كقوله (١) ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [النازعات: ١٦].

﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (١٦)

وقوله: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) كقوله ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾ [الأعراف: ١٤٤] أي: على جميع الناس من الموجودين في زمانه.

و [قد] (٢) قيل: إن الله تعالى قال: يا موسى، أتدري لم خصصتك بالتكليم من بين الناس؟ [قال: لا. قال:] (٣) لأني لم يتواضع لي أحد تواضعك.

وقوله: (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) أي: اسمع الآن ما أقول لك وأوحيه إليك:

(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا) هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله، وحده لا شريك له.

وقوله: (فَاعْبُدْنِي) أي: وحدّني وَقُم بعبادتي من غير شريك، (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) قيل: معناه: صَلِّ لتذكرني. وقيل: معناه: وأقم الصلاة عند ذكرك لي.

ويشهد لهذا الثاني ما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنس، عن النبي قال: "إذا رَقَد أحدكم عن الصلاة، أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها؛ فإن الله تعالى قال: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٤).

وفي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله : "من نام عن صلاة أو نسيها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك" (٥).

وقوله: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) أي: قائمة لا محالة، وكائنة لا بد منها.

وقوله: (أَكَادُ أُخْفِيهَا) قال الضحاك، عن ابن عباس: أنه كان يقرؤها: "أكاد أخفيها من نفسي يقول: لأنها لا تخفى من نفس الله أبدًا.

وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: من نفسه. وكذا قال مجاهد، وأبو صالح، ويحيى بن رافع.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (أَكَادُ أُخْفِيهَا) يقول: لا أطلع عليها أحدًا غيري.

وقال السدي: ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا قد أخفى الله عنه علم الساعة، وهي في قراءة ابن مسعود: "إني أكاد أخفيها من نفسي"، يقول: كتمتها عن الخلائق، حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت.

وقال قتادة: (أَكَادُ أُخْفِيهَا) وهي في بعض القراءة أخفيها من نفسي، ولعمري لقد أخفاها الله من


(١) في ف: "لقوله".
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) المسند (٣/ ١٨٤).
(٥) صحيح البخاري برقم (٥٩٧) وصحيح مسلم برقم (٦٨٤).