للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وليًا أو أخافه، فقد بارزني بالمحاربة، وبادأني وعرض لي نفسه ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي، أم يظن الذي يعاديني أن يعجزني، أم (١) يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني. وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، لا أَكِلُ مضطرهم (٢) إلى غيري.

رواه ابن أبي حاتم.

(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) هذا سؤال من موسى، ، لربه ﷿، أن يشرح له صدره فيما بعثه به، فإنه قد أمره بأمر عظيم، وخطب جسيم، بعثه إلى أعظم ملك على وجه الأرض إذ ذاك، وأجبرهم، وأشدهم كفرًا، وأكثرهم جنودًا، وأعمرهم ملكًا، وأطغاهم وأبلغهم تمردًا، بلغ من أمره أن ادعى أنه لا يعرف الله، ولا يعلم لرعاياه إلهًا غيره.

هذا وقد مكث موسى في داره مدة وليدًا عندهم، في حجر فرعون، على فراشه، ثم قتل منهم نفسا فخافهم أن يقتلوه، فهرب منهم هذه المدة بكمالها. ثم بعد هذا بعثه ربه ﷿ إليهم نذيرًا يدعوهم إلى الله ﷿ أن يعبدوه وحده لا شريك له؛ ولهذا قال: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) أي: إن لم تكن أنت عوني ونصيري، وعضدي وظهيري، وإلا فلا طاقة لي بذلك.

(وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) وذلك لما كان أصابه من اللثغ، حين عرض عليه التمرة والجمرة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، كما سيأتي بيانه، وما سأل أن يزول ذلك بالكلية، بل بحيث (٣) يزول العي، ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة. ولو سأل الجميع لزال، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة، ولهذا بقيت بقية، قال الله تعالى إخبارًا عن فرعون أنه قال: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف ٥٢] أي: يفصح بالكلام.

وقال الحسن البصري: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي) قال: حل عقدة واحدة، ولو سأل أكثر من ذلك أعطى.

وقال ابن عباس: شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل، وعقدة لسانه، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءًا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه، فآتاه سؤله، فحل عقدة من لسانه.

وقال ابن أبي حاتم: ذُكِرَ عن عَمْرو بن عثمان، حدثنا بَقِيّة، عن أرطاة بن المنذر، حدثني بعض أصحاب محمد بن كعب، عنه قال: أتاه ذو قرابة له. فقال له: ما بك بأس لولا أنك تلحن في كلامك، ولست تعرب في قراءتك؟ فقال القرظي: يا ابن أخي، ألست أفهمك إذا حدثتك (٤)؟. قال:


(١) في أ: "أو".
(٢) في ف، أ: "نصرتهم".
(٣) في أ: "بحيث ما".
(٤) في أ: "حدثت"