للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والكرامة (١) تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون، فلما دخل عليها نحلته (٢) وأكرمته، وفرحت به ونحلت أمه لحسن أثرها عليه، ثم قالت: لآتين به فرعون فَلَيَنْحَلَنَّهُ (٣) وليكرمنه، فلما دخلت به عليه جعله في حجره، فتناول موسى لحية فرعون يمدها (٤) إلى الأرض، فقال الغواة من أعداء الله لفرعون: ألا ترى ما وعد الله إبراهيم نبيه، إنه زعم أن يرثك ويعلوك ويصرعك، فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه. وذلك من الفتون يا بن جبير بعد كل بلاء ابتلي به، وأريد به (٥).

فجاءت امرأة فرعون فقالت (٦) ما بدا لك في هذا الغلام الذي وهبته لي؟ فقال (٧) ألا ترينه يزعم أنه يصرعني ويعلوني! فقالت: اجعل بيني وبينك أمرًا يعرف فيه الحق، ائت بجمرتين ولؤلؤتين، فَقَرِّبْهُنَّ إليه، فإن بطش باللؤلؤتين (٨) واجتنب الجمرتين فاعرف (٩) أنه يعقل، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين، علمت أن أحدا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل. فقرب إليه فتناول الجمرتين، فانتزعهما منه مخافة أن يحرقا يده، فقالت المرأة: ألا ترى؟ فصرفه الله عنه بعد ما كان قد همّ به، وكان الله بالغا فيه أمره.

فلما بلغ أشده وكان من الرجال، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة، حتى امتنعوا كل الامتناع، فبينما موسى، ، يمشي في ناحية المدينة، إذا (١٠) هو برجلين يقتتلان، أحدهما فرعوني والآخر إسرائيلي، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فغضب موسى غضبًا شديدًا؛ لأنه تناوله وهو يعلم منزلته (١١) من بني إسرائيل وحفظه لهم، لا يعلم الناس إلا أنما ذلك من الرضاع، إلا أم موسى، إلا أن يكون الله [سبحانه] (١٢) أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره. فوكز (١٣) موسى الفرعوني فقتله، وليس يراهما أحد إلا الله ﷿ والإسرائيلي، فقال موسى حين قتل الرجل: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٥]. ثم قَالَ ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص: ١٦] فأصبح في المدينة خائفًا يترقب الأخبار، فأتى فرعون، فقيل له: إن بني إسرائيل قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا (١٤) ولا ترخص لهم. فقال: ابغوني قاتله، ومن يشهد عليه، فإن الملك وإن كان صَغْوه مع قومه لا يستقيم له أن يقيد بغير بينة ولا ثبت، فاطلبوا لي علم ذلك آخذ لكم بحقكم. فبينما هم يطوفون ولا (١٥) يجدون ثبتًا، إذا بموسى (١٦) من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلا من آل فرعون آخر. فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فصادف موسى قد ندم على ما كان منه وكره الذي رأى، فغضب الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال:


(١) في ف: "والكرامة والنحل".
(٢) في أ: "بجلته".
(٣) في أ: "فليبجلنه".
(٤) في ف، أ: "فمدها".
(٥) في ف، أ: "به فتونا".
(٦) في أ: "فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت".
(٧) في ف: "فقالت".
(٨) في ف: "باللؤلؤ".
(٩) في أ: "فعرفت".
(١٠) في ف: "إذ".
(١١) في ف: "منزله".
(١٢) زيادة من أ.
(١٣) في ف، أ: "فوكزه".
(١٤) في ف، أ: "بحقك".
(١٥) في ف: "لا".
(١٦) في ف: "موسى".