للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا. وأنا يومئذ لا أدري. فلقيت ابن عباس، فذكرت له ذلك، فقال: أما علمت أن ثمانيًا كانت على نبي الله واجبة، لم يكن لنبي الله أن ينقص (١) منها شيئًا، ويعلم أن الله كان قاضيًا عن موسى عدته التي وعده فإنه قضى عشر سنين. فلقيت النصراني فأخبرته ذلك، فقال: الذي سألته فأخبرك أعلم منك بذلك. قلت: أجل، وأولى.

فلما سار موسى بأهله كان من أمر النار والعصا ويده ما قص الله عليك في القرآن، فشكا إلى الله تعالى (٢) ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون، يكون له ردءًا، ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه. فآتاه الله سؤله، وحل عقدة من لسانه، وأوحى الله إلى هارون وأمره أن يلقاه. فاندفع موسى بعصاه حتى لقي هارون، عليهما (٣) السلام. فانطلقا جميعًا إلى فرعون، فأقاما على بابه حينًا لا يؤذن لهما، ثم أذن لهما بعد حجاب شديد، فقالا ﴿إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧]. قال: فمن ربكما؟ فأخبره بالذي قص الله عليك في القرآن؟ قال: فما تريدان؟ وذكره القتيل، فاعتذر بما قد سمعت. قال: أريد أن تؤمن بالله، وترسل معي بنى إسرائيل؟ فأبى عليه وقال: ﴿فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٤]. فألقى عصاه [فإذا هي] (٤) حية تسعى عظيمة فاغرة فاها، مسرعة إلى فرعون. فلما رآها فرعون قاصدة إليه خافها، فاقتحم عن سريره واستغاث بموسى أن يكفها عنه. ففعل، ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء -يعني من غير برص-ثم ردها فعادت إلى لونها الأول. فاستشار الملأ حوله فيما رأى، فقالوا (٥) له: هذان ساحران ﴿يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] يعني: ملكهم الذي هم فيه والعيش، وأبوا على موسى أن يعطوه شيئًا مما طلب، وقالوا له: اجمع السحرة (٦) فإنهم بأرضك كثير حتى تغلب بسحرك سحرهما. فأرسل إلى (٧) المدائن فحشر له كل ساحر متعالم، فلما أتوا فرعون قالوا: بم يعمل هذا الساحر؟ قالوا: يعمل بالحيات. قالوا: فلا والله ما أحد في الأرض يعمل بالسحر بالحيات والحبال والعصى الذي نعمل. فما أجرنا إن نحن غلبنا؟ قال لهم: أنتم أقاربي وخاصتي، وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم، فتواعدوا يوم الزينة، وأن يحشر الناس ضحى.

قال سعيد بن جبير: فحدثني ابن عباس: أن يوم الزينة الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة، هو يوم عاشوراء.

فلما اجتمعوا في صعيد واحد قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الأمر، ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾ [الشعراء: ٤٠] يعنون موسى وهارون استهزاء بهما، فقالوا: يا موسى -لقُدْرتهم بسحرهم- ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ [الأعراف: ١١٥] ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ [طه: ٦٦] ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ [الشعراء: ٤٤] فرأى


(١) في ف: "نبي الله لينقص".
(٢) في ف، أ: "الله سبحانه".
(٣) في ف: "عليه".
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) في ف: "فقالا".
(٦) في ف: "اجمع السحرة لهما".
(٧) في ف، أ: "في".