للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرسالة والنبوّة.

وقوله: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) أي: اصطفيتك واجتبيتك رَسُولا لنفسي، أي: كما أريد وأشاء.

وقال البخاري عند تفسيرها: حدثنا الصَّلْتُ بن محمد، حدثنا مهديّ بن ميمون، حدثنا محمد ابن سِيرين عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: "التقى آدم وموسى، فقال موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال آدم: وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه، وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم. قال: فوجدتَه قد كتب عَليّ قبل أن يخلقني؟ قال: نعم. فحَجّ آدم موسى" أخرجاه (١).

(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي) أي: بحُجَجي وبراهيني ومعجزاتي، (وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) قال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس: لا تُبْطئا.

وقال مجاهد، عن ابن عباس: لا تَضْعُفا.

والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكرُ الله عونًا لهما عليه، وقوّة لهما وسلطانًا كاسرًا له، كما جاء في الحديث: "إن عبدي كل عبدي للذي (٢) يذكرني وهو مُنَاجِز قِرْنه". (٣)

(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) أي: تمرّد وعتا وتَجَهْرم على الله وعصاه،

(فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين، كما قال يزيد الرقاشي عند قوله: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا): يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؟

وقال وهب بن مُنَبه: قولا له: إني إلى العفو والمغفرة أقربُ مني إلى الغضب والعقوبة.

وعن عكرمة في قوله: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا) قال: لا إله إلا الله، وقال (٤) عمرو بن عبيد، عن الحسن البصري: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا) أعْذرا إليه، قولا له: إن لك ربًا ولك معادًا، وإن بين يديك جنة ونارا.

وقال بقيَّة، عن علي بن هارون، عن رجل، عن الضحاك بن مُزَاحم، عن النزال بن سَبْرَة، عن علي في قوله: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا) قال: كَنِّه.

وكذا روي عن سفيان الثوري: كَنّه بأبي مُرَّة.


(١) صحيح البخاري برقم (٤٧٣٦).
(٢) في أ: "الذي".
(٣) رواه الترمذي في السنن برقم (٣٥٨٠) من حديث عمارة بن زعكرة . وقال الترمذي "هذا حديث غريب ولا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوى".
(٤) في أ: "وعن".