للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكما تقدمهم (١) فرعون فسلك بهم في اليم فأضلهم وما هداهم إلى سبيل الرشاد، كذلك ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ [هود: ٩٨].

﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٨٢)﴾.

يذكر تعالى نعمه على بني إسرائيل العظام، ومننه الجسام، حيث نَجَّاهم من عدوهم فرعون، وأقر أعينهم منه، وهم ينظرون إليه وإلى جنده قد غرقوا في صبيحة واحدة، لم ينج منهم أحد، كما قال [تعالى]: (٢) ﴿وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٠].

وقال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا رَوْح بن عبادة، حدثنا شعبة، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله المدينة واليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى على فرعون، فقال: " نحن أولى بموسى فصوموه " رواه مسلم أيضًا في صحيحه (٣).

ثم إنه تعالى واعد موسى وبني إسرائيل بعد هلاك فرعون إلى جانب الطور الأيمن، وهو الذي كلمه تعالى عليه، وسأل فيه الرؤية، وأعطاه التوراة هناك. (٤) وفي غُضُون ذلك عَبَدَ بنو إسرائيل العجل، كما يقصه تعالى قريبا.

وأما المن والسلوى، فقد تقدم الكلام على ذلك في سورة "البقرة" (٥) وغيرها. فالمن: حلوى كانت تنزل عليه من السماء. والسّلوى: طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل، قدر الحاجة إلى الغد، لطفًا من الله ورحمة بهم، وإحسانًا إليهم؛ ولهذا قال تعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) أي: كلوا من هذا [الرزق] (٦) الذي رزقتكم، ولا تطغوا في رزقي، فتأخذوه من غير حاجة، وتخالفوا ما آمركم به، (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) أي: أغضب عليكم (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي: فقد شقي.

وقال شُفَيّ بن ماتع: إن في جهنم قصرًا يُرمى الكافر من أعلاه، فيهوي في جهنم أربعين خريفًا قبل أن يبلغ الصلصال، وذلك قوله: (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) رواه ابن أبي حاتم.

وقوله: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) أي: كل من تاب إليّ تبتُ عليه من أي ذنب كان، حتى إنه تعالى تاب (٧) على من عبد العجل من بني إسرائيل.


(١) في ف: "يقدمهم".
(٢) زيادة من ف.
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٧٣٧)، وصحيح مسلم برقم (١١٣٠).
(٤) في ف، أ: "هنالك".
(٥) عند تفسير الآية ٥٧ وما بعدها.
(٦) زيادة من ف، أ.
(٧) في ف، أ: "أنه تاب تعالى".