للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السامري. وفي الكتب الإسرائيلية: أنه كان اسمه هارون أيضًا، وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة التوراة، كما قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥] أي: عاقبة الخارجين عن طاعتي المخالفين لأمري.

وقوله: (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا) أي: بعد ما أخبره تعالى بذلك، في غاية الغضب والحَنَق عليهم، هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم، وتَسَلّم التوراة التي فيها شريعتهم، وفيها شرف لهم. وهم قوم قد عبدوا غير الله ما يَعْلَمُ كل عاقل له لب [وحزم] (١) بطلان (٢) [ما هم فيه] (٣) وسخافة عقولهم وأذهانهم؛ ولهذا رجع إليهم غضبان أسفًا، والأسف: شدة الغضب.

وقال مجاهد: (غَضْبَانَ أَسِفًا) أي: جزعًا. وقال قتادة، والسدي: (أَسِفًا) أي: حزينًا على ما صنع قومه من بعده.

(قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا) أي: أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة، وحسن العاقبة كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم، وإظهاركم عليه، وغير ذلك من أياديه عندكم؟ (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي: في انتظار ما وعدكم الله. ونسيان ما سلف من (٤) نعمه، وما بالعهد من قدم. (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) "أم" هاهنا بمعنى "بل" وهي للإضراب عن الكلام الأول، وعدول إلى الثاني، كأنه يقول: بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالُوا) أي: بنو إسرائيل في جواب ما أنبهم (٥) موسى وقرعهم: (مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا) أي: عن قدرتنا واختيارنا.

ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد، يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حُلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم، حين خرجوا من مصر، (فَقَذَفْنَاهَا) أي: ألقيناها عنا. وقد تقدم في حديث "الفتون" أن هارون هو الذي كان أمرهم بإلقاء الحلي في حفيرة فيها نار.

وفي رواية السُّدِّيّ، عن أبي مالك، عن ابن عباس: إنما أراد هارون أن يجتمع الحُلي كله في تلك الحفيرة (٦) ويجعل حجرًا واحدًا. حتى إذا رجع موسى يرى (٧) فيه ما يشاء. ثم جاء [بعد] (٨) ذلك السامري فألقى عليها تلك القبضة التي أخذها من أثر الرسول، وسأل هارون أن يدعو الله أن يستجيب له في دعوته، فدعا له هارون -وهو لا يعلم ما يريد -فأجيب له (٩) فقال السامري عند ذلك: أسأل الله أن يكون عجلا. فكان عجلا له خُوار، أي: صوت، استدراجًا وإمهالا ومحنة واختبارًا؛ ولهذا قالوا: ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ﴾

﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا (٨٩)﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبادة بن البَخْتَريّ (١٠) حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حَمَّاد


(١) زيادة من ف، أ.
(٢) في ف: "بضلال".
(٣) زيادة من ف، أوفي هـ: "ما لقيه".
(٤) في ف: "في".
(٥) في أ: "نبيهم".
(٦) في ف: "الحفرة".
(٧) في ف، أ: "رأى".
(٨) زيادة من ف، أ.
(٩) في ف، أ: "فيه".
(١٠) في ف: "البحتري".