للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الِانْفِطَارِ: ١٠ -١٤] ، قَالَ: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطُّورِ: ١٦] وَقَالَ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النِّسَاءِ: ١٢٣] .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَمَلَ ابْنِ آدَمَ مَحْفُوظٌ عَلَيْهِ، قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، صَبَاحًا وَمَسَاءً.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ أَبَى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَطَائر كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ". قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: يَعْنِي الطِّيرَةَ (١) .

وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ ابْنِ لَهِيعَةَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ، غَرِيبٌ جِدًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (٢) {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} أَيْ: نَجْمَعُ لَهُ عَمَلَهُ كُلَّهُ فِي كِتَابٍ يُعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِمَّا بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ سَعِيدًا، أَوْ بِشِمَالِهِ إِنْ كَانَ شَقِيًّا {مَنْشُورًا} أَيْ: مَفْتُوحًا يَقْرَؤُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، فِيهِ جَمِيعُ عَمَلِهِ مِنْ أَوَّلِ عُمْرِهِ إِلَى آخِرِهِ {يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [الْقِيَامَةِ: ١٣ -١٥] ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} أَيْ: إِنَّكَ (٣) تَعْلَمُ أَنَّكَ لَمْ تُظْلَمْ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكَ غَيْرُ مَا عَمِلْتَ؛ لِأَنَّكَ ذَكَرْتَ جَمِيعَ مَا كَانَ مِنْكَ، وَلَا يَنْسَى أَحَدٌ شَيْئًا مِمَّا كَانَ مِنْهُ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَقْرَأُ كِتَابَهُ مِنْ كَاتِبٍ وَأُمِّيٍّ.

وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (٤) {أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} إِنَّمَا ذَكَرَ الْعُنُقَ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي (٥) الْجَسَدِ، وَمَنْ أُلْزِمَ بِشَيْءٍ فِيهِ فَلَا مَحِيدَ لَهُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: (٦) .

اذْهَبْ بِهَا اذْهَبْ بِهَا ... طُوِّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَةِ ...

قَالَ قَتَادَةُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (٧) عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا عَدْوَى وَلَا طيرَة وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ". كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (٨) .

وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي مُسْنَدِهِ مُتَّصِلًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (٩) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: "طَيْرُ كُلِّ عَبْدٍ فِي عُنُقِهِ" (١٠) .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ: أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (١١) يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ مِنْ عَمَلِ يَوْمٍ إِلَّا وَهُوَ يُخْتَمُ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَرِضَ الْمُؤْمِنُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا، عَبْدُكَ فُلَانٌ، قَدْ حَبَسْتَهُ؟ فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ: اخْتِمُوا لَهُ عَلَى مِثْلِ عَمَلِهِ، حَتَّى يبرأ أو يموت" (١٢) .


(١) المسند (٣/٣٦٠) ، وقال الهيثمي في المجمع (٧/٤٩) : "فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح".
(٢) زيادة من ت.
(٣) في ت، ف: "أي أنت".
(٤) زيادة من ت.
(٥) في ت، أ: "من".
(٦) هو أبو أحمد بن جحش، والأبيات في السيرة النبوية لابن هشام (١/٥٠٠) .
(٧) في ف، أ: "عنهما".
(٨) تفسير الطبري (١٥/٣٩) .
(٩) زيادة من ف، أ.
(١٠) المنتخب لعبد بن حميد برقم (١٠٥٣) .
(١١) زيادة من ف، أ.
(١٢) المسند (٤/١٤٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>