للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حية، ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة" (١).

وقال أيضًا: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا أبو الوليد، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) قال: "عذاب القبر". إسناد جيد (٢).

وقوله: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) قال مجاهد، وأبو صالح، والسدي: لا حجة له.

وقال عكرمة: عُمِّي عليه كل شيء إلا جهنم.

ويحتمل أن يكون المراد: أنه يُحشَر أو يبعث (٣) إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضًا، كما قال تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٧]. ولهذا يقول: (رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا) أي: في الدنيا.

﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦)﴾.

(قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) أي: لما أعرضت عن آيات الله، وعامَلْتها معاملة من لم يذكرها، بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك نعاملك [اليوم] (٤) معاملة من ينساك (٥) ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ [الأعراف: ٥١] فإن الجزاء من جنس العمل، فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه، فليس داخلا في هذا الوعيد الخاص، وإن كان مُتَوَعدًا عليه من جهة أخرى، فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك، قال الإمام أحمد:

حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا خالد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عيسى بن فائد، عن رجل، عن سعد بن عبادة، ، قال: قال رسول الله : "ما من رجل قرأ القرآن فنسيه، إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم" (٦).

ثم رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد، عن عيسى بن فائد، عن عبادة بن الصامت عن النبي ، فذكر مثله سواء (٧).

﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (١٢٧)

يقول تعالى: وهكذا نجازي المسرفين المكذبين بآيات الله في الدنيا والآخرة، ﴿لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾ [الرعد: ٣٤] ولهذا قال: (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) أي: أشد ألمًا من عذاب الدنيا، وأدوم عليهم، فهم مخلدون فيه؛ ولهذا قال رسول الله للمتلاعنين: "إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة".


(١) مسند البزار برقم (٢٢٣٣) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (٧/ ٦٧) "فيه من لم أعرفه".
(٢) وروي من حديث أبي سعيد مثله، ورواه الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة في المصنف.
(٣) في ف: "أن يبعث أو يحشر".
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) في ف، أ: "نسيك".
(٦) المسند (٥/ ٢٨٥).
(٧) المسند (٥/ ٣٢٣).