للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقال: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت صفوة الله من خلقه؟ فقال: "أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عُجِّلت طيباتهم في حياتهم الدنيا ". (١)

فكان صلوات الله وسلامه عليه (٢) أزهد الناس في الدنيا مع القدرة عليها، إذا حصلت له ينفقها هكذا وهكذا، في عباد الله، ولم يدخر لنفسه شيئًا لغد.

قال ابن أبي حاتم: أنبأنا يونس، أخبرني ابن وهب، أخبرني مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي سعيد؛ أن رسول الله قال: " إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله (٣) من زهرة (٤) الدنيا ". قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله؟ قال: " بركات الأرض " (٥).

وقال قتادة والسدي: زهرة الحياة الدنيا، يعني: زينة الحياة الدنيا.

وقال قتادة (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنبتليهم.

وقوله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) أي: استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة، واصطبر أنت على فعلها كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: ٦].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب كان يبيت عنده أنا ويرفأ، وكان له ساعة من الليل يصلي فيها، فربما لم يقم (٦) فنقول: لا يقوم الليلة كما كان يقوم، وكان إذا [استيقظ أقام] (٧) -يعني أهله -وقال: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (٨).

وقوله: (لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ) يعني (٩) إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٢، ٣]، وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٦ - ٥٨] ولهذا قال: (لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ) وقال الثوري: (لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا) أي: لا نكلفك الطلب. وقال ابن أبي حاتم [أيضًا] (١٠) حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا حفص بن غياث، عن هشام، عن أبيه؛ أنه كان إذا دخل على أهل الدنيا، فرأى من دنياهم طرفًا فإذا رجع إلى أهله، فدخل الدار


(١) صحيح البخاري برقم (٤٩١٣).
(٢) في ف، أ: "عليه وسلامه".
(٣) في أ: "يفتح الله لكم".
(٤) في أ: "زهرة الحياة الدنيا".
(٥) أصله في صحيح البخاري برقم (٢٨٤٢) وصحيح مسلم برقم (١٠٥٢) من طريق عطاء عن أبي سعيد الخدري ولفظه: "إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا".
(٦) في ف، أ: "لم ينم".
(٧) زيادة من ف، أ.
(٨) ورواه مالك في الموطأ (١/ ١١٩) عن زيد بن أسلم عن أبيه بنحوه.
(٩) في ف: "أي".
(١٠) زيادة من ف، أ.